يتألف القانون الإنساني من قواعد المعاهدات أو القواعد العرفية الدولية التي نتجت من ممارسات الدول ومن وعيها بضرورة الالتزام إيمانا منها بضرورة حل القضايا الإنسانية الناجمة عن النزاعات المسلحة سواء اتخذت طابعا دوليا أو غير دولي.
القانون الدولي الإنساني هو فرع من القانون الدولي العام الذي يهتم بتنظيم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية ورعايا القانون الدولي، ويتكون من قواعد تهدف إلى حماية المدنيين وقت النزاعات المسلحة ولأسباب إنسانية، ويعتبر القانون الإنساني المرادف لقانون الحرب، فهو يهتم بالحد من المعاناة في النزاعات المسلحة ومساعدة ضحايا الحروب قدر الإمكان، فهو عبارة عن مجموعة من القواعد الدولية التي تحدد المسموح والممنوع خلال النزاعات المسلحة، ويتعين على جميع الدول والجماعات المسلحة التي تخوض الحروب احترام القانون الدولي الإنساني، لأنه خلاف ذلك ستتعرض الدول المخالفة للمثول أمام المحاكم الدولية.
تعد اتفاقيات جنيف الأربع العنصر الأساس للقانون الدولي الإنساني، صادقت عليها مجمل الدول باعتبارها قواعد حرب عالمية، وفيما يتعلق بالحرب على غزة، توضح اتفاقية جنيف الرابعة،1949 بشأن حماية المدنيين وقت الحرب والمؤرخة في 12 آب 1949 الأسس والمبادئ الواجب اتباعها في خضم الحرب، كما وضحت المادة الثانية والثالثة متى وكيف تطبق هذه القوانين، ومن هنا يتبادر الى الأذهان السؤال التالي: ما هي القوانين التي تحكم الحرب الإسرائيلية على غزة؟ وهل صادقت إسرائيل على اتفاقية جنيف؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات من الضروري العودة الى الوراء بعض الشيء لتوضيح بعض المسائل، فإسرائيل عقب احتلالها للأراضي الفلسطينية قامت بإصدار ثلاث بلغات عسكرية الأول : دخول الجيش، والثاني تولي قائد المنطقة للسلطات الثلاث (تنفيذية وتشريعية وقضائية)، والثالث انشاء المحاكم العسكرية، ونوهت في بلاغتها بأنها بصدد تطبيق معاهدة جنيف للعام 1949 والتي كانت قد وقعت عليها مسبقا، فالمادة 35 من البلاغات العسكرية أشارت الى أنه على المحكمة العسكرية تطبيق معاهدة جنيف بخصوص حماية المدنيين، أما اذا وجد تناقض بين هذا الأمر وبين المعاهدة فالأفضلية هي لأحكام هذه المعاهدة، إلا أنها أوقفت سريان المادة 35 من بلاغاتها العسكرية والمتعلقة بتطبيق اتفاقية جنيف بتاريخ 11/10/67 في قطاع غزة، والأمر 144بتاريخ23/11/67 بالضفة الغربية، بحجة أن اتفاقية جنيف لا تتمتع بالأفضلية والسمو على القانون الإسرائيلي. وتجدر الإشارة الى أن مجلس الأمن بقراره رقم 1322، شجب الاستخدام المفرط للقوة ، ودعا إسرائيل كقوة محتلة الى الالتزام المطلق بمسؤولياتها القانونية والمنصوص عليها باتفاقية جنيف الرابعة وتطبيق القرار 242..
وردا على التساؤل حول القوانين التي تسري على الحرب الإسرائيلية على غزة، فاللافت للنظر أنه في العام 1993، تبنى مجلس الأمن تقريرا أعدته لجنة يترأسها الأمين العام وعدد من الخبراء مفاده أن اتفاقية جنيف ملزمة حتى لغير الموقعين على هذه الاتفاقية ، كما أن المجتمع الدولي أكد مرارا وتكرارا سريان اتفاقية جنيف الرابعة على قطاع غزة والضفة الغربية وعلى ضرورة تحمل إسرائيل مسؤولياتها بصفتها قوة احتلال علما أنه علاوة على اتفاقية جنيف يسري على قطاع غزة والضفة القانون الدولي الإنساني العرفي بما رست اليه الدول ، وأنظمة لاهاي لعام 1907، والتي تعرف باتفاقيات لاهاي نسبة الى مؤتمرات السلام التي عقدت في لاهاي عاصمة هولندا في 1899،1907، والتي حددت قوانين وأعراف الحرب والقواعد التي يتوجب على الأطراف المتنازعة أن تلتزم بها خلال النزاعات المسلحة.
بات واضحا للعيان أن أحكام وقواعد الحرب والاتفاقيات الدولية والقوانين الدولية حبر على ورق ولا وجود لها في القاموس الإسرائيلي والحرب على غزة، والأدهى من ذلك والأمّر عجز المجتمع الدولي عن الضغط على إسرائيل لإيقاف الحرب أو حتى الالتزام بأبسط القواعد والمعايير الإنسانية الواجب اتباعها في الحروب كالممرات الآمنة التي نصت عليها اتفاقيات جنيف وهي مناطق جغرافية محددة في مناطق النزاع المسلح، بحيث يسمح للمدنيين المعرضين للخطر بالمرور الآمن دون تعرضهم للاستهداف او الاعتقال، كما يسمح من خلال هذه الممرات بدخول المساعدات الإنسانية الأمر الذي لم توافق عليه إسرائيل ولم تلتزم به في حربها على غزة، كما ونصت المادة 27 من اتفاقية جنيف :" (27) " للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم. ويجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكل خاص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير".
كما ونصت المادة 50 من اتفاقية جنيف أيضا على أنه على دولة الاحتلال ألا تعطل تطبيق أي تدابير تفضيلية فيما يتعلق بالتغذية والرعاية الطبية والوقاية من آثار الحرب تكون قد اتخذت قبل الاحتلال لفائدة الأطفال دون الخامسة عشرة والحوامل وأمهات الأطفال دون السابعة"، ولكن لم تراع إسرائيل في حربها أي من هذه الحقوق، وبالرغم من صدور قرار محكمة العليا المبدئي بشأن الدعوى التي قدمتها جنوب افريقيا ضد إسرائيل متهمة إياها بارتكاب جرائم إبادة جماعية باتخاذ التدابير اللازمة لوقف التدمير في غزة، الا انها استمرت في حربها وقتل المدنيين واستهدافهم بالرغم من تصريحات العديد من الدول بضرورة إيقاف الحرب واستهداف المدنيين، فعلى سبيل المثال، قالت المديرة المساعدة لبرنامج العدالة الدولية في منظمة هيومن رايتس ووتش بلقيس جراح أن "قرار المحكمة الدولية التاريخي ينبه إسرائيل وحلفاءها إلى ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع الإبادة الجماعية والمزيد من الفظائع ضد الفلسطينيين في غزة"، وبالمجمل يمكن القول ان المصالح والمنافع تتغلب على القوانين والقرارات الدولية، وهذا السبب يقف وراء صمت الولايات المتحدة وحلفائها على جرائم الإبادة في غزة.