تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ عمليات اقتحام واسعة بمناطق عدة بالضفة الغربية، وسط اندلاع اشتباكات بين الشبان الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي وقطعان “المستوطنين” المسلحين، فيما تقوم جرافات الاحتلال بإغلاق الطرق الرئيسة، في استمرار لسياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في “الضفة الغربية”. إضافة إلى هذا، نلحظ إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) على تجاهل التحذيرات المتكررة للجيش والشاباك، التي أكدت أن الكيان الصهيوني مضطر إلى التخفيف من خطورة الوضع الاقتصادي المتفاقم في “الضفة” ، متفقين بذلك مع الموقف الأميركي الداعي لتخفيف الأزمة الاقتصادية هناك من خلال الإفراج عن الأموال الفلسطينية المحجوزة في “إسرائيل”.
لقد كانت رسالة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية واضحة بأن ما يحدث في “الضفة” من مقارفات للاحتلال، تؤشر إلى توسيع الدولة الصهيونية للجبهة الإضافية في الحرب الإسرائيلية على كل ما هو فلسطيني هناك، وأن حكومة الاحتلال تؤجج هذا الخطر من خلال الخنق الاقتصادي والتصريحات التحريضية المتنوعة ضد السلطة الفلسطينية، علاوة على مزيد من تسليح المستعمرين/ “المستوطنين” والاقتحامات اليومية والاغتيالات والاعتقالات، متجاهلة أن هذا الأمر قد أوشك على أن يؤدي إلى وقف التنسيق الأمني مع السلطة. ومع ذلك، مضى (نتنياهو) ووزراء حكومته (الموغلة في اليمين والفاشية) بالمخاطرة بتوسيع الجبهة الجديدة في الضفة الفلسطينية عبر السماح للمستعمرين المتطرفين متابعة سياستهم بالاستيلاء على مزيد من الأراضي وتهجير الفلسطينيين مرشحة دولة الاحتلال للتعرض الى انتفاضة فلسطينية شاملة.
وبحسب العميد المتقاعد (إفرايم سنيه) فإن “نتنياهو، وكجزء من صراعه على البقاء السياسي، يسعى للدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية بشأن موضوع مستقبل قطاع غزة، وشريكاه في الائتلاف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير يسعيان لإشعال مواجهة واسعة النطاق في الضفة الغربية”. وتابع: “هذه الأعمال التي لا يمنعها رئيس الحكومة، على الرغم من مناشدات الأميركيين، يمكن أن تفتح جبهة إضافية في أراضي الضفة الغربية القريبة من المراكز السكانية في إسرائيل”. من جانبها، حذّرت افتتاحية “هآرتس” من أنه “يمكن أن ينفجر الإنسان غضباً، وهو يرى أن إسرائيل تقوم الآن بكل ما يمكن لدفع الضفة إلى انتفاضة أُخرى.. فبغطاء الحرب، وبمساعدة حكومة اليمين المتطرف، قام الجيش بتغيير سلوكه في الضفة بشكل خطِر؛ يريد غزة في الضفة. والمستوطنون يريدون غزة في الضفة لدفع الفلسطينيين خارجاً، والجيش يدعمهم”. وختمت: “إسرائيل تريد انتفاضة. من الممكن أن تحصل عليها أيضاً. المهم ألّا تبدو متفاجئة حين تحدث”. وفي الأثناء، ازدادت الضغوط الاقتصادية والبطالة في “الضفة”، متواكبة مع مقارفات الاحتلال اليومية، حيث توقع البنك الدولي أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني 6% خلال السنة الحالية 2024، فيما فقد الفلسطينيون 32% من الوظائف في “الضفة”، أي ما يعادل 276 ألف وظيفة بسبب تداعيات العدوان على قطاع غزة، حسبما ذكرت منظمة العمل الدولية.
لقد دخلت مخيمات وقرى وبلدات ومدن الضفة الغربية على خط المعركة بعد أن ساهم تصعيد تحركات جيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وانفلات أكبر “للمستوطنين” من جهة ثانية مع توسيع المقاومة اثر ملحمة 7 اكتوبر من جهة ثالثة. والحال كذلك، لم يكن مفاجئا قيام الكيان بتعزيز وجوده العسكري والأمني في مختلف مناطق الضفة بمئات الضباط والجنود استعداداً لموجة من العمليات والمواجهات، وبالذات بعد أن أحكم قبضته على الضفة منذ “طوفان الأقصى”، وعزل المدن الفلسطينية بالكامل بالبوابات الحديدية والسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية، في تحرك هو الأول من نوعه منذ الانتفاضة الثانية، معلنا الضفة منطقة عسكرية مغلقة. وكل ذلك على درب مزيد من المساعي الإسرائيلية القديمة/ الجديدة لجعل الاحتلال حالة دائمة في الضفة (“يهودا والسامرة” بعباراتهم”!!!) من خلال استعمار مزيد من الأرض مقرونا مع تهجير الفلسطينيين، محاولين تحقيق هدفهم المعلن على لسان مسؤولين اسرائيليين كبار، باقتراف “نكبة جديدة” (أو “استكمال” ما باشروه في نكبة 1948 سواء في الضفة أو القطاع). غير أن ملحمة قطاع غزة وتداعياتها المذهلة عربيا ودوليا من جهة، و ”جبهة المقاومة” الإضافية سواء في الضفة أو غيرها من الساحات العربية المساندة من جهة ثانية، كفيلان – فيما نأمل، شرط وحدة وطنية فلسطينية فاعلة- بوأد المخطط الإسرائيلي الاستعماري/ التوسعي/ الاحلالي.