- صافرات الإنذار تدوي في المطلة ومحيطها في إصبع الجليل
- الدفاع المدني: احتمال توقف خدماتنا بشكل كامل في مدينة غزة بسبب نفاد الوقود
- جيش الاحتلال يلقي منشورات على مدينة بيت لاهيا ويطالب النازحين والأهالي بإخلائها
شهدت فلسطين إبان فترة الانتداب البريطاني حركة ثقافية وفنية مشهودة، أثرت فيها عوامل مختلفة، فمن حركة التعليم والتعلم الى النشاط المسرحي والأدبي والقصصي. ويعتبر الكاتب والقاص خليل بيدس مرتكزاً هامًا وأساسيًا في نشاطه التأسيسي للثقافة الوطنية الجادة والملتزمة، حين أصدر في العام 1908 مجلته الرائدة "النفائس" التي اتخذ من عروس الكرمل حيفا مقراً لها قبل انتقالها الى القدس.
وفي تلك الفترة المبكرة من الحياة الأدبية والثقافية العربية لم تكن القصة تتمتع بمكانة فنية واجتماعية، كجزء من الابداع الإنساني الفني، ولذلك قال بيدس عن مجلته "النفائس" بأنها مجلة الطرائف والفكاهات. وكان أصحاب القلم يتهيبون ولوج ميدان القصة لعدة اعتبارات وأسباب، أهمها عدم تقبل المجتمع العربي في حينه، لهذا اللون الإبداعي الجديد الوافد الى الحياة الثقافية، رغم أن هذا المجتمع يملك تراثًا غنيًا من الفن القصصي والحكايات الشعبية المشهورة، كقصص الزير سالم وحكايات ألف ليلة وليلة اضافة الى القصص القرآنية ذات المواعظ الدينية، كقصة النبي يوسف على سبيل المثال لا الحصر.
وقد اشار الدكتور ناصر الدين الأسد في كتابه "خليل بيدس رائد القصة العربية في فلسطين": "إن بيدس خلف وراءه إنتاجًا غنيًا منوعًا ضم اربعة وثلاثين مؤلفًا توزعت بين الرواية والتاريخ والكتب المدرسية وغيرها من الروايات والكتب المترجمة".
وفي العام 1924 صدر لخليل بيدس مجموعة قصصية تحت اسم "مسارح الأذهان"، التي تعد من بواكير الأعمال القصصية الفنية في تلك المرحلة المميزة بأحداثها السياسية المتسارعة. ويتجلى في المقدمة التي كتبها بيدس لهذه المجموعة القصصية وعي فني متقدم وامتلاك أصيل لأسس هذا الفن الذي عالجه، منوهًا بان على الكاتب أن يكون مثقفًا مطلعًا على مئات الروايات ومئات التواريخ، وعالمًا ببواطن حياة المجتمع وأسراره، واستشرافه المستقبل في تميز خاص بين الكاتب وعامة الشعب.
وبالرغم من أن الدكتور ناصر الدين الأسد يرى أن خليل بيدس أوّل من ترجم عن الروسية وتأثر بأعمال الكتاب الواقعيين الروس، وان أعماله تنحى منحى الواقعية الجديدة، فإن الناقد الفلسطيني والاستاذ الجامعي ابراهيم العلم يعتبر أن أثر الأدب الروسي أكثر جليًا وبروزًا في قصص نجاتي صدقي، الذي يشارك بيدس الريادة في مجال القصة في فلسطين الانتدابية، ويرى فيه أحد تلاميذ المدرسة الواقعية الاشتراكية، بحيث ان أبطاله يعانون الواقع المؤلم دون أن يفقدوا ثقتهم بالقدرة على التحدي والمواجهة، واسلوبه ينزع الى البساطة في التعبير، وصورة واقعية مباشرة، وحواره يتميز بالحركة والتلوين ـ كما يقول، في حين يؤكد الدكتور عبد الرحمن ياغي ان خليل بيدس صاحب مدرسة واقعية ايضًا.
ومن كتاب القصة في مرحلة الانتداب البريطاني محمود سيف الدين الايراني، الذي بدأ يكتب القصة في الثلاثينات، وكان مثقفًا واعيًا واسع الاطلاع على الثقافة الاوروبية، وقد صدر له 4 أعمال قصصية هي: "أول الشوط، مع الناس، حتى ينتهي الليل، ما أقل الثمن".
وكان للتفاعلات السياسية والاجتماعية انعكاسات على مضامين القصة وشكلها الفني، ومثلت الأحداث السياسية "وعد بلفور، وثورة 1936" مظاهر حركة ونشاط نحو إثبات الوجود والهوية الوطنية داخل المجتمع الفلسطيني وحركته الفكرية والأدبية، وسيطرت مشاعر الغضب الثوري ولواعج الحزن والأسى والضياع وافكار التقدم الاجتماعي والاحساس القومي على الابداعات القصصية الفلسطينية.
وقد لامست القصص القصيرة الفلسطينية الهموم الاجتماعية وصورت الاحوال والاوضاع الاجتماعية: الفقر، الروابط والعلاقات الانسانية، تغير العادات والتقاليد تحت تأثير الظروف الاجتماعية، وبيع الاراضي.
بعد ذلك شهدت الحياة الأدبية الفلسطينية طفرة وقفزة نوعية في نمو وانبعاث وتطور القصة القصيرة من خلال أسماء واقلام اخرى. فبالإضافة الى خليل بيدس ومحمود سيف الدين الايراني ظهر في مجال القصة: نجاتي صدقي، عارف العزوني، نجوى قعوار، اسحق موسى الحسيني، أسمى طوبي، عبد الحميد ياسين، جمال الحسيني، جبرا ابراهيم جبرا، وسواهم. وتميزت قصص هذه المرحلة بنمو مستوى الذوق والاقتراب من النضوج الفني.
ومع نكبة فلسطين حدثت تغيرات وتحولات سياسية واجتماعية شملت جميع مناحي الحياة الفلسطينية والعربية، وبرزت اتجاهات فكرية ومذهبية متعددة ومتنوعة تأثرت بالواقع السياسي الجديد، الذي خلقته وأفرزته نكبة فلسطين في العام 1948. وعالجت قصص هذه المرحلة مشكلات معاصرة عدا القضايا الاجتماعية والإنسانية وموضوعة الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.