- صفارات الإنذار تدوي في الجولان المحتل
- مدفعية الاحتلال تقصف مناطق متفرقة في شمال غزة
- جرافة الاحتلال تقوم بهدم عدة مخازن خلال اقتحام منطقة الإسكان في مدينة قلقيلية
- مراسلنا: اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال داخل حي الألمانية في جنين
كانت الأمم المتحدة، قد اعتمدت في العام 2008 فكرة عقد مؤتمر دولي سنوي، لتظهير كل أشكال الممارسات العنصرية في العالم. وجرى إختيار "ديربان" المدينة الثالثة في جمهورية جنوب إفريقيا، مكاناً للإنعقاد. وفي تلك السنة إنعقدت ديربان النظامية الأولى لمناهضة العنصرية، بعد مؤتمر تمهيدي في سنة 2001.
منذ تلك السنة تعاملت ثلاثة وعشرون دولة عضو في الإتحاد الأوروبي، فضلاً عن الولايات المتحدة وكندا، بسلبية مع تلك الفعالية الدولية، فقاطعت سبع دول وخفّضت البقية مستوى تمثيلها، ثم أعلنت معظم البقية عن مقاطعتها الكاملة للمؤتمر الذي بدأ أعماله أمس!
"في ديربان الأولى" تطيرت إسرائيل وأمريكا، ومعهما معظم المجموعة الأوروبية، من ظهور الرئيس الإيراني ـ آنذاك ـ أحمدي نجاد. كان نجاد، هو رئيس الدولة الوحيد الذي حضر المؤتمر. ولم يقل نجاد في خطابه شيئاً أكثر من الواقع، هو أن حكومة إسرائيل تمارس العنصرية بشكل كامل وعلني، وأن الغرب يستخدم حكاية المحرقة ذريعة للتغاضي عن العدوان على الشعب الفلسطيني. وبينما كان الرجل يتحدث، انسحبت الوفود الأوروبية، فما كان من أمين عام الأمم المتحدة ـ آنذاك ـ بان كي مون، إلا الإعراب عن إنزعاجه من خطاب نجاد، ومن الوفود المنسحبة. لكن 141 دولة أخرى، واصلت المشاركة، وقد تآكل الرقم في ديربان 2021 المُزمع عقده، وضم بعض دول أوروبا الشرقية!
الأمريكيون والأوروبيون، توافقوا على صيغة لتعليل المقاطعة، فقالوا إن المؤتمر يتجاهل التمييز ضد المثليين، ويركز على إسرائيل، علماً بأن التمييز الديني شائع في الدول النامية. وبناء على هذه الذريعة، أصبح المؤتمر الأممي الذي ترعاه المنظمة الدولية، هدفاً للغرب، وجرى وصْمُهُ كمؤتمر مُعادٍ لما يُسمى "السامية"، على الرغم من حضور ومشاركة الوكالات الدولية المتخصصة، كمنظمة العمل الدولية، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية!
إسرائيل، منذ البداية، ناصبت المؤتمر عداء كاملاً، مثلما تفعل حيال أي قرار أو فعالية للأمم المتحدة أو محفل دولي يُعنى بوضع النقاط على الحروف. وكان أفيغدور ليبرمان، العنصري من رأسه الى أخمص القدم، هو الذي وصف المؤتمر بــ "النفاق" في العام 2008 وكأن ليبرمان، الذي يعرفه الجميع، هو المؤهل للمنافحة عن التسامح الإنساني، أو كأن لديه الحد الأدنى من ثقافة البشر الأسوياء المتحضرين.
إستشعرت الأمم المتحدة مأزق المقاطعة منذ العام 2008، وفي محاولتها "تلطيف" الأمور لكي يشارك الأوروبيون والأمريكيين، أعلن رئيس المجموعة المكلفة بصياغة وثائق المؤتمر، عن حذف كل إشارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلى ازدراء الأديان، على أمل منع المقاطعة الواسعة من قبل الدول الغربية. وهذا معناه تحريم الإشارة الى معاناة شعب فلسطينن تحت الإحتلال العسكري، وإباحة إزدراء الأديان!
وللأسف أكدت السيدة نافي بيلاي، من جنوب إفريقيا، التي شغلت منصب رئيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان؛ على أن جميع النقاط المتنازع عليها مثل الإشارات إلى إسرائيل والصهيونية والشرق الأوسط، قد تم حذفها من الإعلان. وعقّب عليها الأمين العام للأمم المتحدة فقال:" "إن بعض الدول التي يجب أن تساعدنا في شق طريق نحو مستقبل أفضل، ليست موجودة. وخارج هذه القاعات، توجد مجموعات مصالح ذات توجهات سياسية وأيديولوجية كثيرة، وكلها تصرخ بحدة، ضد بعضها البعض"!
في المحصلة، بدا واضحاً أن المجموعة الأوروبية حرصت ولا تزال تحرص على تكريس منطق أعوج في مؤتمر مناهضة العنصرية، وهو إعتبار مجرد الإشارة الى الإنتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، محض ضجيج، بل إن طرح قضايا شعوب وأقطار الشرق الأوسط، لا يعدو كونه شغباً يعكر صفو المؤتمرات، بينما عتاة العنصريين من جنرلات الحرب الإجرامية، الذين يحكمون إسرائيل، هم عنوان الروقان والتسامح الإنساني، ولا ينبغي أن يزعجهم أحد.
على أية حال، ليست العنصرية إلا اختراعاً أوروباً، ولم تحدث إبادة لليهود أو لغيرهم، إلا بأيدي الأوروبيين، ولم تكن هناك في التاريخ، أمم استوعبت اليهود وأكرمتهم وأشركتهم في الحياة العامة، مثل أمة العرب والمسلمين. وكان الذين يلاحقون أولئك اليهود، هم الذين أقاموا محاكم التفتيش الإسبانبة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، واخترعوا بعنصريتهم "المسألة اليهودية" في القرن التاسع عشر، عندما كان اليهود يتدفقون من شرق القارة الأوروبية الى غربها، واعتبرهم الغرب العنصري بلاء وحمولة زائدة، يجب رميها في اتجاهنا. ولم يكن الفلسطينيون والعرب إلا ضحايا، مثلما لم تكن مظلومية شعب جنوب إفريقيا، إلا بأيدي مخترعي الفصل العنصري، الأوروبي المنشأ!