إذا كانت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عدد كبير من دول العالم قد أشعلت حرباً عالمية تجارية، وتنذر بتداعيات إستراتيجية فإنّ منطقة الشرق الأوسط مقبلة على حروب عسكرية فعلية.
بوّابة الحرب على منطقة الشرق الأوسط ما زالت مفتوحة على التوسّع منذ «طوفان الأقصى» العام 2023، تديرها الدولة العبرية باعتبارها الكتيبة المتقدمة، للولايات المتحدة الأميركية.
لقد اتضح بما لا يدع مجالاً للشكّ أن دولة الاحتلال، التي جدّدت حربها الإبادية والتجويعية على قطاع غزة، لم تعد تستهدف الإفراج عن الرهائن أو إزاحة حركة حماس عن إدارة القطاع، والتخلّص من سلاحها فقط، فالأهداف القريبة، تستهدف القضية الفلسطينية برمّتها، وإعادة هندسة الشرق الأوسط.
يدّعي بنيامين نتنياهو أن تصعيد الضغط على قطاع غزّة، هو السبيل الوحيد لاستعادة الرهائن، بينما تؤكد وقائع 18 شهراً من الحرب، أنّ الضغط العسكري، لم ينجح في الإفراج عنهم، بل أدّى إلى قتل العشرات منهم.
«حماس» والمقاومة، لن تستلم للشروط الإسرائيلية، لأنها تعلم يقيناً، أن حرب نتنياهو على الشعب الفلسطيني سواء في غزّة، أو الضفة الغربية لن تتوقّف حتى لو تم الاتفاق على صفقة تؤدّي إلى الإفراج عن الرهائن دون ضمان وقف الحرب التدميرية.
لو أنّ الحرب ستتوقّف نتيجة التوقيع على اتفاقيات عَبر الوساطات، لكانت دولة الاحتلال توقّفت عن اعتداءاتها وجرائمها اليومية التي لا تتوقف على لبنان، ولكانت سحبت قواتها، التزاماً بالقرار الأممي 1701.
ولو كانت الاتفاقيات سبيلاً لحلّ الصراعات، لكانت، أيضاً، التزمت باتفاقية العام 1974 مع سورية، لكنها لم تكتفِ بانتهاك تلك الاتفاقية، ولكان عليها أن تتوقّف عن اعتداءاتها اليومية على الأخيرة، ولكانت امتنعت عن احتلال المزيد من أراضيها الجنوبية بما في ذلك جبل الشيخ.
الحال ذاته مع الفلسطينيين، فلقد انسحبت دولة الاحتلال من التزاماتها تجاه اتفاقية أوسلو، منذ سنواتها الأولى، وها هي تسعى لتهجير سكان الضفة والتحضير العملي لإعلان السيادة عليها بعد أن أعلنت سيادتها على القدس.
فتائل إشعال التفجير في المنطقة متعدّدة، فهي بالإضافة إلى غزّة والضفة، موجودة على جبهتي لبنان وسورية، وموجودة على جبهة اليمن المنخرطة في الحرب، وموجودة فيما تقول دولة الاحتلال إنها رأس الشرّ إيران.
لا يتوقّف الأمر عند هذه الجبهات، بل إن دولة الاحتلال لا تكفّ عن إعلان أطماعها، وتهديداتها لمصر والعربية السعودية والعراق.
في الاتجاه ذاته، تواكب أميركا، ما تقوم به دولة الاحتلال وما تنوي القيام به، من خلال حشد ضخم لقواتها البحرية والجوية، كما لم يسبق لها أن فعلت ذلك، في المنطقة.
هذا عدا تفعيل قواعدها العسكرية، في الكثير من دول المنطقة، خصوصاً دول الخليج العربي، والمحيطين الهندي والهادئ، والبحر الأحمر، والخليج العربي.
حروب ترامب التجارية، والعسكرية عنوانها كما قال «يوم التحرير»، وعنوانها بالنسبة لدولة الاحتلال «حرب النهضة» أو «حرب الاستقلال الثانية»، وأحياناً «حرب البقاء».
تدّعي الأخيرة أنها تخوض حرباً على سبع جبهات، رغم أنها تدعي نجاحها في تفكيك ما تقول إنه «محور المقاومة» بعد توقّف المقاومة العراقية، واحتواء «حزب الله» اللبناني، وانهيار نظام بشار الأسد، وعجز النظام البديل، وأيضاً توقّف الهجمات المتبادلة مع إيران.
وبالرغم من مرور 18 شهراً على «طوفان الأقصى» بكل ما ينطوي عليه من أثمانٍ باهظة، وتهديدات جدّية للأمن القومي العربي، إلّا أنّ كل ذلك، لم يغيّر من طبيعة الردود العربية والإسلامية التي اتسمت بإعلان التضامن اللفظي مع الفلسطينيين، وإصدار بيانات الشجب والاستنكار، ورفض مخطّطات التهجير.
أعجبني «بوست» كتبه أحد المغرّدين على منصّات التواصل الاجتماعي، يذكّر خلاله العرب بوقائع من التاريخ.
يقول المغرّد: عندما وصل التتار إلى خراسان انتظر أهل العراق، معتقدين أنّهم في منجى من البلاء، وحين عاجلوهم وأحرقوا بغداد، وقتلوا نحو مليون إنسان، كان أهل الشام في حالة انتظار، لكنهم لم يكونوا في منجى من البلاء التتاري.
قبل أن يصل التتار إلى مصر، أدرك السلطان المملوكي سيف الدين قطز خطورة الوضع مبكّراً فتحضّر للأمر جيداً، وانتصر على التتار في معركة عين جالوت الشهيرة.
هكذا هو حال العرب اليوم، مصالحهم متضاربة، وسياساتهم مختلفة ومتفرقة، ولذلك فإن كل طرف، يحاول أن يحافظ أو يدافع عن مصالحه وحده.
كل طرف عليه أن يحمي مصالحه، هذا هو حال العالم، وليس فقط العرب والمسلمين.
حتى أميركا التي تشارك دولة الاحتلال أهدافها وحروبها، وتقدم لها كل الدعم اللازم وغير اللازم، لم تستثنِ الأخيرة من رفع نسبة الجمارك على صادراتها لأميركا.
الأمر ذاته ينطبق على الشركاء التاريخيين لأميركا سواء كانت أوروبا، أو كندا، وحتى الخاضعين كلياً لسياساتها والذين رهنوا وجودهم وأمنهم ومصالحهم بالحماية الأميركية.
ترامب هدّد إيران وخيّرها بين أن تسلّم بالشروط الأميركية دبلوماسياً وبين أن تواجه الجحيم، فيما تستعجل دولة الاحتلال توجيه ضربةٍ لإيران سواء بمشاركة أميركية، أو بتفويض ودعم لوجستي، تخشى دولة الاحتلال أن يتراجع ترامب، ذلك لأنها تدرك أن إيران ليست بصدد رفع الرايات البيضاء إلّا بثمنٍ كبير إن وافقت عليه الإدارة الأميركية، فستكون كمن استسلم لإيران. في الواقع، فإن الجبهات اللبنانية والسورية، لا تزال مفتوحة على الاشتعال مرّة أخرى.
يعتقد البعض أن «حزب الله» فقد قدرته على الرد وإيذاء دولة الاحتلال، غير أن الأمر له علاقة بمحاولات الحزب، تجنب الفتنة الداخلية، وتحميله المسؤولية عن الخسائر التي قد يتعرّض لها لبنان في حال اندلاع المواجهة مرّة أخرى.
الوقت يمرّ والصبر بدأ ينفد، فلا الحكومة وجيشها قادران على حماية أمن وسيادة لبنان ولا هي قادرة على المراهنة على التدخّلات الخارجية، ولم تتسلّم حتى الآن، الدعم الذي وعدت به الإدارة الأميركية، وبعض الدول الغربية.
دولة الاحتلال لا تتوقّف عن استفزاز لبنان، وجرّه إلى فتنة داخلية لسحب سلاح الحزب واحتوائه، وإخراجه من المعادلة السياسية، أو أن عليه أن يعود للمواجهة، فيعطي الأخيرة مبرّراً لمواصلة الحرب المجنونة التي تريدها.
وبالرغم من الأوضاع الاستثنائية التي يمرّ بها النظام الجديد في سورية، إلّا أن الحالة الشعبية تغلي، وقد تؤدّي الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة التي تستهدف سورية الدولة وليس النظام وحسب، إلى استعادة العلاقات الإيجابية مع حزب الله على قاعدة المصلحة المشتركة في مواجهة الاعتداءات والأطماع الإسرائيلية. كما أن السلوك الإسرائيلي قد يؤدّي إلى فتح جبهات أخرى في المنطقة، التي تخضع للاستهداف والبطش.