أقلّ من شهر بقي على المدة القانونية، لخروج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض، ما لم تقع تطورات خارج السياق التقليدي بعد الانتخابات الرئاسية.
تتسم هذه الأيام بكثير من الخطر، وربما باحتمال اندلاع صراعات حربية من المرجح أن يكون الشرق الأوسط ميدانها.
تتلاقى ظروف كل من ترامب وبنيامين نتنياهو، من حيث أن كليهما يواجه مصيراً متشابهاً، من حيث مستقبله السياسي، ومن حيث إن كليهما، يتمتع بمواصفات غريبة، أبرزها الأنانية ولو على حساب المصالح العامة للبلاد.
حتى الآن يرفض ترامب التسليم بالهزيمة، حتى بعد أن فشلت حملاته القضائية، إذ بدأ يتداول مع مستشاريه، إمكانية اللجوء لإعلان الأحكام العرفية بذريعة جائحة «كورونا».
فشله في استمالة والحصول على موافقة مستشاريه بخصوص مسألة إعلان الأحكام العرفية، لا يعني أن الرجل سيعدم الوسائل لتنفيذ ما يفكر فيه، أو لإحباط عقليته الانقلابية، بكل ما تنطوي عليه هذه العقلية من تداعيات خطيرة على الأوضاع الداخلية الأميركية وعلى التقاليد الديمقراطية.
الرجل كان قد فكر قبل ذلك وخلال الانتخابات، في شن حرب على إيران، ومن دون ذرائع مختلفة عن الخطاب الأميركي التقليدي بهذا الخصوص، لكنه لم يجد تأييداً من مستشاريه.
هذا يعني أن الرجل لم يفقد القناعة، والأمل في تعطيل نتائج الانتخابات التي فشل في تحقيق الفوز فيها، وأنه يمكن أن يركب أعلى أمواج المغامرة والخطر كحل أخير لتبرير أفكاره الانقلابية المجنونة.
صحيح أن إيران لا تزال تطلق التهديدات للانتقام من عملية اغتيال العالم فخري زادة، ولكن الكل على قناعة بأنها لن تلجأ لخطوات انتقامية تضعها أمام إمكانية اندلاع حرب واسعة، بالتأكيد لا ترغب فيها دول الخليج، ولكن قد يتحمس لها ترامب، وشريكه نتنياهو.
إيران أمام وضع محرج جداً، فهي لا يمكن أن تتخلى عن حقها في الرد على آخر عملية اغتيال مؤلمة، لكنها عالقة إزاء تحديد الهدف، وإزاء الوقت.
إذا بادرت إيران للرد خلال ما تبقى من أيام لترامب فإنها تعرف، أنها قد تتلقى ضربات، لا تقوى على التعرض لها، أو احتواء آثارها.
أما إذا أجلت الرد إلى ما بعد دخول بايدن البيت الأبيض، فإنها ستكون قد غامرت بالتأثير سلبياً على موقف الإدارة الجديدة من الاتفاق بشأن برنامجها النووي، والذي تنظر له بإيجابية.
في الواقع فإن ترامب لم ينتظر ردا إيرانيا انتقاميا، وليس لأسباب دفاعية قام بإرسال طائرات بي 52 العملاقة إلى الشرق الأوسط ثم أتبع ذلك بإرسال حاملة طائرات وعدد من القطع الحربية البحرية.
قد يبدو أن إرسال هذه المعدات الحربية الهجومية يهدف لحماية دول الخليج، أو تنفيذاً لتعهدات رافقت التوقيع على ما تسمى اتفاقات السلام مع إسرائيل، لكن ما تم إرساله من هذه المعدات الهجومية لا يمكن أن يكون فقط لإثبات مصداقية الموقف الأميركي من عمليات التطبيع، ولتشجيع آخرين على إعلان تطبيع علاقاتهم بإسرائيل.
قبل أيام قليلة كانت بعض الميليشيات العراقية قد أطلقت صواريخ بالقرب من السفارة الأميركية في «المنطقة الخضراء» في العاصمة العراقية بغداد وهي ليست المرة الأولى.
لكن الإدارة الأميركية أعلنت على الأثر أنها ستتخذ قرارا بإغلاق سفارتها في بغداد.
غير أن سقوط الصواريخ وإمكانية إغلاق السفارة الأميركية، قد لا يكونان مبررين كافيين لتحريك آلة الحرب الأميركية في المنطقة ضد إيران، خصوصا أن الأخيرة لم تعلن مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ.
في الواقع من غير الممكن أن تقدم إيران على فعل إطلاق الصواريخ على السفارة الأميركية، لأن ذلك لا يلبي الغرض ولا ينسجم مع جوهر التهديدات الإيرانية.
بموازاة ذلك، ترتفع عقيرة إسرائيل، بالتهديد، والحديث عن مخاوف من أن الرد الإيراني قد يأتي من العراق واليمن، وفي اتجاه إسرائيل بما أنها المسؤولة مباشرة عن اغتيال زادة، وعديد عمليات الاغتيال وسرقة الأرشيف النووي الإيراني.
إسرائيل تقحم نفسها في ملف التهديدات الحربية ضد إيران، وتعتقد أن لديها ما يكفي من المبررات لإرسال غواصة ومعدات حربية أخرى لمنطقة الخليج. حتى لو لم تكن هناك أسباب وجيهة للحديث عن احتمالات اندلاع حرب في الخليج، فإن الإكثار من الحديث عن الخطر الإيراني، يوفر لإسرائيل الفرصة، التي ترضى عنها دول الخليج، للتمدد والتواجد العسكري في منطقة الخليج.
ومرة أخرى فإن التواجد العسكري الإسرائيلي في الخليج قد يكون واحدا من التعهدات التي تضمنتها اتفاقيات التطبيع، التي من غير الممكن الإعلان عنها، والتي تثير شبهة الحلف السني الأميركي الإسرائيلي الذي سبق للولايات المتحدة أن تحدثت عنه في سنوات سابقة.
في الواقع فإن نتنياهو هو الآخر يواجه أزمة حقيقية تتعلق بمستقبله السياسي، فهو لم ينجح في الحفاظ على الحكومة، ولا يرغب حقيقة في الذهاب إلى انتخابات رابعة غير مضمونة النتائج.
عشية إغلاق ملف الحكومة، كان الليكود قد تعرض لانقسام كبير حين خرج منه جدعون ساعر ليعلن تشكيل حزب جديد ولحق به عدد من قيادات الليكود.
استطلاعات الرأي، لا تعطي لليمين، الذي يمكن أن يتحالف معه الليكود، العدد الكافي من المقاعد لتشكيل حكومة بنتيجة الانتخابات التي ستجرى في آذار القادم.
علاوة على ذلك، تتواصل التظاهرات الاحتجاجية، التي تطالب باستقالة ومحاكمة نتنياهو على خلفية ملفات الفساد.
وفي الواقع، لم تحقق اتفاقيات التطبيع مع أربع دول عربية آخرها المغرب، أي ضمانة لحمايته من خلال البقاء في الحكومة.
في مثل هذه الحالة نتنياهو أيضاً، يدرك أن السبيل الوحيدة للتغلب على أزماته، تكمن في جر البلاد إلى حرب، وإن كانت تنطوي على مغامرة، فلا «كورونا» ساعدت ترامب ونتنياهو على تنفيذ سياساتهما الانقلابية، ولا الإنجازات التي حققاها من خلال عمليات التطبيع.
الرجلان من مواقعهما الحالية يملكان الصلاحيات لاتخاذ قرارات من هذا المستوى، ما يدخل المنطقة بأكملها في حالة فوضى وصراع.
"الأيام"