القاهرة - ثائر نوفل أبو عطيوي: قال أستاذ العلوم السياسية في مصر د. طارق فهمي، إنه مع قرب إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ مخطط ضم المستوطنات ومنطقة الأغوار، تبرز تساؤلات حول مسارات التحرك على المستويات الفلسطينية والإسرائيلية والعربية وماذا نحن فاعلون، وهل سيتكرر سيناريو الاعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة عاصمة موحدة لـ"إسرائيل"، وهل يتكرر سيناريو يونيو/حزيران 1967 في يونيو/حزيران 2020 .
وأضاف فهمي، في تصريحات خاصة لـ"الكوفية"، أن الاحتلال سوف يتعامل مع قضية الضم عبر الخطوات التنفيذية وبطريقة متدرجة، حيث سيحرص في البداية على التنسيق مع واشنطن بشأن الخطة ككل طبقا لما تم النص عليه، وتمشياً مع مطلب الإدارة الأمريكية، ويعلن موافقة حكومة إسرائيل الجديدة عليها، ثم سيدعو الفلسطينيين للتفاوض بناء على الخطة الأمريكية، وهو يدرك تماماً رفض السلطة الفلسطينية مسبقا لهذه الدعوة، وفي أعقاب ذلك ستتجه إسرائيل إلى إعلان ضم منطقة الأغوار التي سيتم تحديد معالمها بالتوافق الأمريكي الإسرائيلي فقط، من خلال اللجنة المشتركة بينهما لترسيم الحدود في الضفة الغربية.
وأشار، إلى أنه في حالة تطبيق قرار الضم سيكون الفلسطينيون مجبرين على مغادرة الأراضي حسب القانون "الإسرائيلي"، إلى مناطق "أ" و"ب"، التي لا تزيد مساحتها على 36% من الضفة المحتلة، والذي سيكون نتيجته حصر الفلسطينيين في غيتوهات معزولة ومحصورة في مناطق "أ"، و"ب".
وأوضح فهمي، أنه سوف يتم تركيز تقييمات حكومة الاحتلال، خلال المرحلة المقبلة، على عدة توجهات والتي منها: أن الرئيس محمود عباس لن يذهب إلى الخيار الصفري، لأنه يعلم أن مصير السلطة الفلسطينية ما زال بيد إسرائيل، وأن حكومة الاحتلال لن تتراجع عن قراراتها بشأن مشروع الضم.
وأضاف، أن التوجه الآخر يتمثل في أن استخبارات إسرائيل ترى أن هناك مسؤولين كبارا في السلطة الفلسطينية وبعض القيادات الأمنية لديهم توجهات مختلفة عن القيادة الفلسطينية، وأنها المسؤولة بالدرجة الأولى عن إدارة المشهد الأمني بين الجانبين، وفي النهاية هي من ستقرر مسارات المشهد.
واستطرد قائلا، واقعيا لم تعد السلطة الفلسطينية تملك بدائل حقيقية أو وسائل ردع يمكن أن تقف في مواجهة ما يجري، ويخطط إسرائيليا، وهو ما يتطلب إجراء مراجعة حقيقية للموقف الفلسطيني بأكمله مع تبني إستراتيجية جادة للتعامل مع المتغيرات المتلاحقة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وتتطلب مراجعة لأسس التعامل مع الاحتلال، والبناء على ما تم عبر سنوات ما بعد "أوسلو"، وليس البدء من الصفر حيث سيكون من المراهقة السياسية الحديث عن خيارات انتهى توقيتها، أو العودة لتبني سياسات بالية، وفي هذا السياق من المهم التأكيد علي تصويب مسارات أوسلو وباريس، وعدم الابتعاد عن الحلبة التفاوضية مهما كان الأمر، خاصة وأن حكومة إسرائيل الجديدة ستوظف كل ما تملكه من أوراق لصالحها لأنها حكومة إنجاز، وليست حكومة انتظار لما سوف يطرح فلسطينياً.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن حكومة الاحتلال ستستمر في خطواتها تجاه قطاع غزة، وستذهب لإقرار صفقة تبادل الأسرى مع الانتقال لمرحلة تثبيت الهدنة، وإقرارها لأطول مدة ممكنة مع البدء في تنفيذ إستراتيجية طويلة الأجل نحو تعاون إقليمي ينطلق من غزة، وفقا لمبدأ الفوائد المتبادلة والمصالح المشتركة، وسيبقى "الرهان الإسرائيلي" في مجمل الخيارات المحتملة في العمل بصورة منفردة، مع اعتبار الرئيس محمود عباس ليس أكثر من نصف رئيس في إشارة إلى سيطرته على الضفة الغربية، وبقاء سلطته على غزة غير قائمة.
واستبعد فهمي، أن تنجح الحكومة الفلسطينية الراهنة في بناء تفاهمات سياسية حقيقية ليس بين قطاع غزة والضفة الغربية، بل أيضا وفي داخل قطاعات السلطة نفسها، في ظل بعض التحفظات على المهام والأولويات التي ستعمل عليها السلطة في الفترة المقبلة، وغياب البعد الإستراتيجي في طرحها وتوسيع دائرة التحرك بصورة واضحة، وعدم اقتصارها على قطاع غزة فقط، الأمر الذي سيعطي لحركة حماس القدرة علي المناورة والتسويف في تقبل أو رفض بعض ما يطرح سياسياً وإستراتيجياً خاصةً وأن أطرافاً مثل فرنسا وروسيا أبدت الرغبة بالمشاركة في إدارة التفاوض بين فلسطين والإسرائيليين.
واعتبر فهمي، أنه سيكون أمام حكومة الاحتلال عدة خيارات للتعامل مع المشهد الفلسطيني العام، والتي منها استمرار حالة المواجهة المفتوحة، وهو الخيار الأرجح لحين بناء تفاهمات سياسية جديدة، وبناء تصور إسرائيلي جديد يعلي من أسهم خيار التهدئة الطويلة والممتدة على أن تنفذ بعض الإجراءات المتعلقة ببناء إجراءات الثقة بين الجانبين، مثل: إتمام صفقة تبادل الأسرى وتقديم قائمة تحفيزية للحركة اقتصادياً، وكذلك توصل الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لحالة من التوافق المصلحي سواء في الوقت الراهن واتضاح الصورة جلية، وسيرتبط هذا الخيار بواقعين الأول: عدم تكرار المواجهات بصورة غير دورية، وهو أمر سيحتاج إلى ضوابط حقيقية قد لا تتوافر في الوقت الراهن مع الحفاظ علي سياسة الأمر الواقع على ما هي عليه، وإن كان ذلك سيكون صعبا للغاية في ظل الرؤية العسكرية المتنامية لرئيس حكومة الاحتلال، وائتلافه الجديد، ومن الواضح أيضاً أن حكومة الاحتلال ستستمر في انتظار الخيارات والبدائل التي ستعمل عليها السلطة الفلسطينية بصرف النظر عن الالتزام بقرار التنسيق الأمني، أو وقفه تكتيكيا لبعض الوقت.
واختتم الدكتور طارق فهمي، تصريحاته قائلاً، مبدئيا قد تبدو الصورة سلبية بالنسبة للعالم العربي، وخاصة بالنسبة للفلسطينيين، وهو ما قد يدفع بالقفز من حالة الخيارات الصفرية الحقيقية إلى حلول إبداعية في ظل قدرات فلسطينية على المناورة، ومواجهة ما سيجري من خلال استدعاء نمط جديد للمواجهة بعيدا عن الخيارات الراهنة، وهو أمر يحتاج إلي موقف عربي حقيقي في الوقت الراهن خاصة وأن إسرائيل لن تستمر على نهجها الحالي، وإنما ستعمل في الاتجاه المقابل، واتباع السيناريوهات البديلة فعليا، وهو ما يجب التحسب لتبعاته في المرحلة القادمة، وهنا فإن العالم العربي مطالب باتخاذ إجراءات حقيقية وقرارات نافذة لحل القضية الفلسطينية، ولو على مستوى وزراء الخارجية العرب، سواء عقدت القمة العربية المؤجلة في الجزائر، أو تم تأجيلها لحين إشعار آخر.