"هذه وصمة عار في جبين بلادنا" - يقصد المستعمرة الإسرائيلية- بهذا وصف نتنياهو لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس حكومة المستعمرة السابق يهود أولمرت في نيويورك، فاللقاء أمام عدسات المجتمع الدولي، مكسب سياسي ولقاء إيجابي لمصلحة الشعب الفلسطيني، وصفعة على وجهي نتنياهو وترامب وما يمثلانه من تحالف رجعي يميني عنصري ضد الشعب الفلسطيني وإرادته وتطلعاته.
شخصية إسرائيلية كان لها مكانة سياسية هامة تحضر إلى نيويورك للقاء الرئيس الفلسطيني في ذروة التصادم الفلسطيني العربي الإسلامي المسيحي، في مواجهة نتنياهو وترامب وما يمثلانه، وفي خضم الاشتباك السياسي بين حقوق الشعب الفلسطيني، ومخططات ومحاولات التهميش والتقزيم والتصفية التدريجية لحقوق الشعب الفلسطيني في العودة للاجئين والحرية للصامدين، في ذروة هذا التصادم وقلب هذا الاشتباك، يلتقي رئيس سابق لحكومة المستعمرة معبراً عن انتقاده لخطة ترامب نتنياهو وعن تفهمه للموقف الفلسطيني فماذا يكون ذلك سوى إنجاز ومكسب؟؟.
تصوروا لو أي فلسطيني مهما كان موقعه متواضعاً وحضر المؤتمر الصحفي المشترك لترامب ونتنياهو يوم 28 / 1 / 2020، حين تم إعلان «صفقة القرن» فماذا ستكون النتيجة؟؟ سيقال أن جزءاً من الشعب الفلسطيني يقف ويقدر ويقبل بخطة ترامب.
صحيح أن يهود أولمرت يديه ملطخة بدماء الفلسطينيين في غزة، وصحيح أيضاً أنه لن يتحول إلى فلسطيني الولاء والقضية، وسيبقى مخلصاً للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ولكنه من موقعه ومكانته شكل لطمة سياسية لمجمل خطة ترامب نتنياهو بموقفه الرافض ولتأييده النسبي للموقف الفلسطيني بدون أن يقبض ثمن موقفه بل بالعكس نال اتهام نتنياهو له بالخيانة!!.
الشعب الفلسطيني في نضاله الطويل ورحلته المضنية في مواجهة عدوه المتفوق يحتاج لكل الأطراف أن تقف إلى جانبه وأهمها قدرته على اختراق المجتمع الإسرائيلي وكسب انحيازات من بين صفوفه لعدالة القضية الفلسطينية، وشرعية مطالبها، وحقه في النضال حتى يستعيد كامل حقوقه، وكلما أنجز وحقق وكسب انحيازات إسرائيلية من قلب المجتمع الإسرائيلي كلما اختصر عوامل الزمن في هزيمة العدو الإسرائيلي وانتصار النضال الفلسطيني.
لهذا مطلوب من كل فصائل العمل السياسي الفلسطيني سواء في مناطق 48 كما تفعل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، أو فصائل العمل في مناطق 67 كما تفعل حركة فتح، أن تكسب وتنظم أعضاء أو أصدقاء من الإسرائيليين ليكونوا في خندقها لأن ذلك يوفر مجموعة من الشروط الإيجابية منها:
أولاً: تُقوي المعسكر الفلسطيني وتضعف المعسكر الإسرائيلي.
ثانياً: يظهر الفلسطينيون كما هُم حقاً أصحاب توجهات ديمقراطية يؤمنون بالتعددية، بعكس المؤسسات الإسرائيلية التي تمارس العنصرية والأحادية وفرض قيم الدولة اليهودية الواحدة.
ثالثاً: يقدم الدليل أمام المجتمع الدولي عن تطلعات الفلسطينيين أنهم يقدمون حلولاً واقعية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقوم على خيارين: إما تقاسم الأرض على قاعدة حل الدولتين الذي أتى به قرار الأمم المتحدة، قرار التقسيم 181، أو تقاسم السلطة على حل الدولة الديمقراطية الواحدة القائمة على نتائج صناديق الاقتراع، دولة ثنائية القومية عربية عبرية، بهويتين فلسطينية إسرائيلية، متعددة الديانات من المسلمين واليهود والمسيحيين.
لقاء الرئيس الفلسطيني مع أولمرت مكسب سياسي بدون خسائر مع إدراك ووجاهة المنتقدين، ولكن خطوات الإنجاز الفلسطيني في رفض خطة ترامب تراكمية ولقاء نيويورك خطوة مهما بدت متواضعة ولكنها مكسب إضافي على الطريق الطويل.