الكوفية:القصة الأولى مقتبسة من رواية، «مزرعة الحيوان» للروائي البريطاني، جورج أورويل، هذه الرواية نشرت العام 1946، ظلت هذه الرواية ممنوعة في كثير من بلدان العالم، لأنها تحرض على الظلم وتكشف الوجه الديكتاتوري لكثير من الأحزاب الديكتاتورية حين تستولي على الحكم، هذه الرواية لا تزال رواية مقروءة حتى اليوم، لأنها رواية شديدة السُّخرية على شاكلة رواية، ابن المقفع، «كليلة ودمنة».
يقصُّ، جورج أورويل في روايته قصة خيالية عن مزرعة حيوانات يملكها السيد جونز البخيل والظالم والقاسي على حيواناته حيث إنه يسرق خيراتها، ولا يكتفي بذلك، بل يذبحها أيضاً ليبيع لحمها ويأكله، لأجل ذلك قررت حيوانات هذه المزرعة تنظيم انقلاب تستولي فيه على المزرعة، وتتحرر من حكم البشر، يقود الخنزيرُ القوي، نابليون الذي كان يجيد الخطابة والتهويل هذه الحركة، فهو يُطالب جميع الحيوانات بالتخلص من حكم البشر وإنشاء جمهورية حيوانات مستقلة!
تستغل الحيوانات نسيان، جونز السِّكير، صاحب المزرعة تقديم وجبة الطعام للحيوانات لتشرع بالانقلاب، وهذا جعل الاحتجاج ينجح، لتتحرر الحيوانات من حكم البشر وتؤسس جمهوريتها الحيوانية على أنقاض مزرعة، جونز البشرية!
تتولى (الخنازير) إدارة شؤون المزرعة بعد طرد، جونز صاحب المزرعة وأسرته الظالمة باعتبار الخنازير هي الأقوى والأذكى، وتسنُّ قوانينها ودستورها المتمثل فيما يأتي: «كل من يمشي على قدمين عدو لدود للمزرعة، وأهلاً وسهلاً بكل من يمشي على أربع أقدام، يُمنع ارتداء الملابس والنوم على الأسرِّة، وشرب الكحول، ويمنع الصراع بينها، ويمنع السكن في بيوت البشر»!
هكذا أصبحت الخنازير هي السيد والمشرف على المزرعة، إلى أن بدأ الصراع بين الحيوانات أنفسها، حين بدأت تتنافس على اقتسام أرباح المزرعة من بيع الحليب ومنتجات الفواكه والخضراوات، بدأ الانقسام بين الحيوانات، وشرعت الحيوانات في مصادقة البشر، وصار لكل خنزيرٍ سرير فاخر ينام عليه، وشرعت الحيوانات تقلد البشر وتمشي على ساقين وصارت الخنازير تحتكر شركات بيع المنتجات الزراعية والألبان، وكلما غضبت الحيوانات الأخرى كانت تردد: (احذروا عودة السيد جونز للمزرعة)!
كذلك فإن جورج أورويل جعل عامة الشعب يشبهون الخراف، وأن، نابليون زعيم الثورة يتحكم في مصيرها، هذه الخراف أصبحت جيشاً مطيعاً للخنزير نابليون المسؤول الحزبي عن الثورة، وهي ستنشد له أناشيد الفخر!
كذلك فإن الأبقار أصبحت الخادم المطيع للخنازير، بسبب ما تقدمه من حليب، تسرقه الخنازير لتجمع به الحظوة والثروة!
وفى نهاية الرواية يسكن «نابليون» في بيت عدوه «جونز» بعد أن كان السكن في المنازل محرماً على الحيوانات طبقاً لبروتوكول الثورة، وبدأ الخنزير نابليون يدخن ويشرب الخمر، وهو ما كان محرماً أيضاً على الحيوانات، ويظهر نابوليون ذات يوم واقفاً على قدمين يقلد مشية الإنسان، ويجلس مع مزارعين من الجيران، يلعبون الورق سوياً!!
هذه الرواية ستظل عنواناً صادقاً للحركات السياسية والأحزاب غير الوطنية الساعية لتنفيذ مصالحها فقط، والتي تهدف لترسيخ وجودها في السلطة، وتكشف عيبها المركزي حين تدعي أنها دولة (يوتوبيا) مخلصة، وهي رواية ساخرة تصف الحركات الفاسدة والأحزاب غير المهتمة بشؤون رعاياها، فهي تسعى فقط لإطالة مدة سيطرتها على مقدرات الشعب، وتتحول في النهاية إلى ديكتاتورية فاسدة!
أما الرواية الثانية فهي رواية، (رحلات جليفر) للكاتب الإيرلندي، جونثان سويفت المولود في دبلن بإيرلندا، كان هذا الروائي مريضاً، مصاباً بالتهاب الأذن والعين، حتى أن عينه تكوَّرت، وخرجت من محجرها كبيضة، وكان هو على مشارف الجنون، وكانت أسرته تراقبه باستمرار حتى لا يؤذي نفسه، فيقوم بقلع العين بإصبعيه!
جونثان سويفت، المبدع الإيرلندي المجنون، كتب (رحلات جليفر) العام 1702.
جليفر، بطل هذه الرواية، طبيبٌ، عاش حياتين متناقضتين، فقد ألقته الأمواج بعد أن تحطمت سفينته، مرة في بلاد الأقزام، حيث متوسط طول الفرد خمسة عشر سنتمتراً، ومرة أخرى ألقته الأمواج في بلاد العمالقة، فجرب أن يكون عملاقاً، وقزماً في وقتٍ واحد!
عثرتُ في الرواية بعد قراءتها الجديدة على نصٍ ساخرٍ رائع، هذا النص هو وصفة طبية ساخرة، لإشفاء رجال الأحزاب السياسيين من (داء الحزبية) أو مرض التحزُّب! فهو يقول: «لإشفاء رجال الأحزاب من مرض الحزبية، علينا جمعَ مائةٍ من كل حزب، يُصفُون في أزواج متقابلين، وتُقاس رؤوسهم، ثم يُوضعُ المتشابهون في حجم الرؤوس، كلُّ زوجٍ على حدة، ثم يُستعان بجراح ماهر، يقوم بشق رأس كل زوج من الحزبين المتناقضين، بنشر الجمجمة، ثم يجري تبادلُ أنصافِ أقسام المخ بين الأحزاب، فيوضع نصفُ كلِّ مخٍ على رأس المنافس الحزبي، وهذا يتطلب دقة فائقة من الجرَّاح، غير أن الشفاءَ مضمونٌ من داء الحزبية، والنتيجة، قاسم مشترك من التفاهم المعقول بين الطرفين»!
ويضيف في قولٍ ساخرٍ آخر: «إن رجال الأحزاب يعتقدون بأنهم أُرسلوا إلى البشرية لمراقبة العالم، والتحكم فيه»!
ويقترح جونثان سويفت، في مناسبة أخرى، لكشف المتآمرين، وذلك بتحليل برازهم، لأن الناس لا يكونون مفكرين وجادين، إلا حين يتبرزون!!
بعد مرور أربعة قرون على رواية الكاتب، جونثان سويفت فإن جملته التي لم تُثر اهتمامي عندما قرأتها للمرة الأولى، تلخص معظم أفكار الأحزاب في عالم اليوم: « يعتقد رجالُ الأحزاب أنهم أرسلوا للبشرية هداةً مبشرين، لذا فإنهم يتصرفون وكأنهم مالكو زمام الكون».
فهل كان، الروائي البريطاني، جورج أورويل، والروائي الإيرلندي، جونثان سويفت صادقين في تشخيص مرض الحزبية الديكتاتورية؟!