- قوات الاحتلال تقتحم حي أم الشرايط في مدينة البيرة
- 5 شهداء و12 مصابا جراء قصف الاحتلال عمارة جودت في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة
- قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيرزيت شمال رام الله
في تتبع ما جرى في غزة، تتوقف أمام الطفولة الفلسطينية المنتهكة، وهي طفولة مستباحة منذ العام ١٩٤٨، إن لم يكن من قبل، فعوض النابلسي الذي كتب ليلة إعدامه على جدران زنزانته قصيدته الشهيرة «يا ليل خلي الأسير تايكمل نواحه» خاف على وطنه وزوجته وأطفاله «كمشة زغاليل في البيت جوعانة»، ولا نعرف كيف تربى أبناؤه، وماذا فعلت بهم الأيام، وان كنا عرفنا حالات شبيهة، مثل حالة الشاعر خالد أبو خالد والشهيد أبو حسن سلامة. استشهد والد الأول، وكان يقاتل مع عز الدين القسام، وخالد طفل لم يتجاوز العامين، فقعدت عليه أمه وربته، حتى إذا ما كبر التحق بالثورة، وارتقى والد الثاني، وهو يقاوم في عام النكبة، فلما كبر ابنه المولود في ١٩٤٠ التحق بالمقاومة واستشهد في ٢٢/ ١/ ١٩٧٩.
في الحرب الأخيرة «طوفان الأقصى»، ارتقى آلاف الأطفال فبكاهم أهلهم، وفقد آلاف آخرون أهاليهم، فتكفل بهم إخوتهم الأكبر منهم سنا - وأحيانا كانوا أيضا أطفالا - أو أعمامهم أو أخوالهم، وأحيانا تكفل بهم معارفهم أو من كانوا قريبين من موقع القتل، ومن أغرب أشرطة الفيديو التي شاهدتها شريط عثور رجل، في مركز إيواء قصف، على طفل رضيع أخذه معه ورباه مدة عام، وحين عقدت هدنة بحث عن أهله من خلال إيراد معلومات عن العثور عليه: المكان واليوم، فعرف والد الطفل وذهب ليستلمه.
وموضوع الأطفال الذين ارتقى أهاليهم والعناية بهم موضوع حضر حضورا لافتا في الأدبيات الفلسطينية وحضر أيضا في الأغنية الشعبية الفلسطينية، وكل من أصغى إلى مغني الثورة «أبو عرب» ردد معه، وهو يغني، أغنية «يا يمة في دقة ع بابنا»:
- يا يمة ما بنربى يتامى
يا يمة سلامة شبابنا.
معولا على الشباب الفلسطينيين في تربية أبناء الشهداء كأنهم أبناؤهم أو إخوتهم الكبار، فالأخ الكبير هو الأب الثاني في العائلة الفلسطينية، وهذا لافت أيضا في الأدبيات الفلسطينية وكتب عنه مريد البرغوثي في كتابه «رأيت رام الله».
في الهجوم الإسرائيلي الأخير، في الأسبوع الماضي، ارتقى ما لا يقل عن ١٥٦ طفلا، وفيه أيضا ارتقى آباء وأمهات مخلفين وراءهم أطفالا يحتاجون إلى من يرعاهم ويعتني بهم.
ولست متأكدا من عدد الأطفال الذين فقدوا أهاليهم، وان قرأت أنهم قاربوا الـ ١٨ ألفا. التفكير بمن سيربي هؤلاء ويعتني بهم أعادني إلى بعض الأدبيات الفلسطينية التي قاربت الموضوع، وأبرزها رواية غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» ١٩٦٩ والروايات التي بنيت عليها وروايات أخرى عانى فيها الأطفال الفلسطينيون مثل رواية رضوى عاشور «الطنطورية» ٢٠١٠ ورواية سعاد العامري «بدلة إنجليزية وبقرة يهودية» ٢٠٢٣.
في رواية كنفاني، تترك الأم في أثناء الفوضى التي دبت في حيفا، طفلها الرضيع على أمل أن تعثر على زوجها ويعودا إليه وإلى المنزل ولا يعودان إلا بعد تسعة عشر عاما، تكفلت بالطفل خلالها ورعته أسرة يهودية قادمة من بولندا وربته على أنه ابنها، فنشأ صهيونيا يقاتل في الجيش الإسرائيلي، وحين عرف القصة والتقى بوالديه البيولوجيين لامهما لتركهما طفلا رضيعا في الفراش لم يعملا على استعادته، ورفض العودة معهما مختارا الوالدين اللذين ربياه.
وصارت هذه الفكرة/ الثيمة تتكرر في الأدب الفلسطيني والإسرائيلي أيضا، فقد بنى عليها الكاتب الإسرائيلي سامي ميخائيل روايته «سامي ميخائيل يلبي نداءنا». الأيام الفلسطينية ٢٥/ ٤/ ٢٠٠٥، وواصلها إياد شماسنة في روايته «الرقص الوثني»، ولم تبتعد عنها سوزان أبو الهوى في روايتها «بينما ينام العالم» وفيها تكتب عن جندي يهودي عقيم يختطف، في حرب العام ١٩٤٨، طفلا فلسطينيا من يد أمه ليربيه.
في رواية رضوى عاشور يدمر في الحرب الأهلية في لبنان منزل فلسطيني على رؤوس ساكنيه فيرتقون جميعا إلا الطفلة مريم، وحين يفحصها الدكتور الفلسطيني أمين يقرر تبنيها، وما لبثت زوجته رقية التي ترددت ابتداء حتى وافقت، وصارت لهما الطفلة ابنة إلى جانب أبنائهم البيولوجيين. اهتموا بها وعلموها ولما درست الطب في مصر ذهبت رقية لتقيم معها وتحرص عليها. العائلة الفلسطينية هنا هي التي ربت الطفلة الفلسطينية الناجية من مجزرة.
في رواية سعاد العامري، يختلف الأمر قليلا ويبدو معقدا، فالطفلة شمس وأختاها نوال ونظيرة ضاعت، في الحرب، أمهن عائشة وأخوهن وسجن أبوهن لسرقة بقرة يهودية وأبعد لاحقا إلى الأردن، فتبناهن المصري المسلم الشيوعي عبد المتزوج من اليهودية الشيوعية رفقة، وهو ما ترفضه الأوقاف الإسلامية، فلا يجوز أن يربي زوجان علمانيان أطفالا مسلمين، بخاصة أن الزوجة يهودية، وفي الشريعة اليهودية ينسب الطفل إلى أمه. تنتزع الأوقاف الإسلامية الطفلات وتضعهن لدى مريم المسلمة التي تجمع الخردة ولا تهتم ببيتها وبهن، فيشعرن كأنهن «سقطن من الجنة اليهودية إلى جهنم المسلمة»، ولسوء حياتهن يهربهن عبد ورفقة من اللد إلى يافا ويربيانهن حتى يلتقين بأبيهن بعد سنوات طويلة من بحثه عنهن.
هل سنقرأ لاحقا ١٨ ألف قصة على غرار القصص السابقة أم سنقرأ بضع روايات تمثل حالتهم؟