تصادف اليوم، الموافق 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، الذكرى الـ20 لاستشهاد الرئيس الرمز والقائد ياسر عرفات "أبو عمار".
وتأتي ذكرى استشهاد "أبو عمار" في ظل استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على أبناء شعبنا في قطاع غزة، منذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والتي راح ضحيتها حتى اليوم إلى نحو 43,600 شهيد، و102,900 مصاب، غالبيتهم من النساء والأطفال، فيما لا زال آلاف الشهداء تحت الركام وفي الطرقات، حيث لا يمكن الوصول إليهم.
هي ذكرى رحيل الرمز القائد ياسر عرفات ستبقى محفورة في ذاكرتنا جميعا, سلاماً إلى روحه الطاهرة, سيد الشعب والقضية, عَشِق الأرض والسلاح والزيتون والسلام وصَان الهوية والوحدة الوطنية, إنه اسم بحجمِ وطن, هو مفجر الثورة, ومعلم الأمم الباحثة عن الحرية والانعتاق من الظلم والقيد.
ما أحوجنا أن يكون بيننا دوماً, إنه في نفوسنا وأرواحنا، ما زال عرفات في نظرنا منارة للأمل، والعطاء وحاضناً للنضال والثورة الفلسطينية.
طاقم موقع قناة الكوفية فتح صفحة من كتاب ذاكرة ياسر عرفات، للدكتور أحمد يوسف، حيث وجدنا لقاءاً مع خطيب المسجد الأقصى المبارك، د. يوسف سلامة يذكر فيه موقف جمعه مع ياسر عرفات إبان (عام 1998م) في قاعة رشاد الشوا، ويوضح حرص ياسر عرفات على الوحدة الوطنية وتضحيته للحفاظ عليها، وتنازله من أجل أن يسود الوفاق الوطني الداخلي بين الأخوة الفلسطينيين.
تكريم ياسر عرفات للشيخ أحمد ياسين
ننقل لكم ما سرده الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى عن لقائه مع ياسر عرفات حيث قال: "كنت أنا وبعض الأخوة في استقبال الرئيس عرفات أثناء وصوله لمركز رشاد الشوا الثقافي بتاريخ 28رمضان 1418 هــ وفق 27/1/1998 مـ لحضور احتفال سنوي كبير في ذكرى ليلة القدر لتكريم حفظة القرآن الكريم".
"ومن الجدير بالذكر توافق خروج الشيخ أحمد ياسين من السجن كما وافق أيضا عودة الرئيس عرفات من جولة المفاوضات في أمريكا التي فشلت بسبب تمسك رئيسنا بالتوابث الفلسطينية والتي في مقدمتها القدس الشريف".
يضيف الشيخ يوسف "بدأ الاحتفال بالسلام الوطني وكنت واقفاً بجوار الرئيس فهمست له بعد انتهاء السلام الوطني بأن الشيخ أحمد ياسين موجود فما كان من الرئيس عرفات إلا أن سألني بسرعة وأين هو؟"
قلت: "عن يمينك فهو بجوار المنصة مع عدد من كبار المدعوين".
فنزل أبو عمار عن المنصة وقام بحمل الشيخ ياسين عن الكرسي المتحرك وأحضره الى المنصة وأجلسه بجواره، وهنا سفق الحاضرون، وشعرت أن هذه الخطوة بشارة خير بأن الاحتفال سيكون أفضل من كل عام فقلت ها هم الأخوة يلتقون في ليلة مباركة من ليالي رمضان فما أحوجنا إلى الوحدة والمحبة والتعاضد ورص الصفوف وجمع الشمل.
وعندما حان موعد الإفطار قام الرئيس عرفات بإطعام الشيخ بنفسه وكانت هذه اللفتة الجميلة الثانية، وبعد انتهاء الحفل فتحت جهاز التلفاز للاستماع لنشرة الأخبار وكان الخبر الرئيسي، بعد فشل المباحثات، ياسر عرفات عاد إلى غزة، والتقى بالشيخ أحمد ياسين لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي.
يذكر أن الشهيد ياسر عرفات كان قد أعلن الحداد الرسمي في فلسطين لمدة ثلاثة أيام مع إغلاق كافة الوزارات والمؤسسات بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين.
وعندما استشهد ياسين قال أبو عمار معلقاً على اغتياله: "ده أخويا .. ده بطل" متسائلا: "من الذي أمر بقتل أحمد ياسين أليس شارون؟" وتنهد أبو عمار وقال "فليفعل شارون ما يريد، اللهم أطعمني الشهادة يارب العالمين".
ماذا لو كنت بيننا اليوم ياأبو عمار؟
لا يغيب عنا ذلك المشهد المؤثر أثناء حصار جيس الاحتلال الإسرائيلي لكنيسة المهد في بيت لحم وكذلك حصار المقاطعة برام الله أثناء عملية السور الواقي عندما خاطب ياسر عرفات قائلا لهم اذهبوا إلى كنيسة المهد حيث ولد سيدنا المسيح لتشاهدوا المشاهد الإسرائيلية, أين العالم المسيحي من هذه الجرائم؟ ولماذا لم يدافعوا عن أقدس المقدسات بالعالم؟
يشار إلى أن الرئيس ياسر عرفات رحمه الله كان حريصا على السير على خطى العهدة العمرية والتمسك بها حيث كان يعمل جاهدا في كل مناسبة على تشكيل وفد إسلامي مسيحي مشترك يحضر جميع المؤتمرات العربية والإسلامية, ليعرف العالم كله متانة العلاقة بين أفراد شعبه بمسلمييه ومسيحييه.
أبو عمار ساحر القلوب والعقول
نزل أبو عمار من طائرته في مطار غزة الدولي وشاهد "آفي ليقمان" المراقب الإسرائيلي من بعيد وقد أطلق لحيته حدادا على وفاة والده "ليقمان"
يقول القيادي في حركة فتح أبو عمر المصري: "سألني أبو عمار من بعيد (ماله آفي مربي لحيته؟) فقلت لسيادته أبوه مات! وقلتها باستخفاف وعدم اكتراث فإذا بالأخ الرئيس يدفعني بلطف، بيده اليمني ويتجه فورا إلى آفي المراقب الإسرائيلي ويأخذه بالحضن مطولا ويقدم له التعازي بحرارة شديدة".
يضيف المصري "كنت من طرفي أراقب عن كثب الموقف وأنظر باستغراب، لقد بكى المراقب الإسرائيلي آفي بشدة في تلك الأثناء من حرارة عزاء الشهيد ياسر عرفات له".
وبعد مغادرة الرئيس عرفات المطار سألت آفي عن شعوره اتجاه الأخ ياسر عرفات فقال لي بالحرف الواحد
"إنني لم أتلقى عزائا من أحد أكثر صدقاً من أبو عمار" .
وأردف أبو عمر المصري "لقد وقع آفي ليقمان تحت تأثير القائد وسحره؛ حتى الأعداء طوعها هذا السحر والتأثير وبعد هذا الموقف بدأ أفي يتغير إيجاباً 180 درجة, وكنت ألاحظ عليه شغفه بانتظار الشهيد ياسر عرفات كلما غادر الوطن او عاد إليه".
وأضاف "لقد سحره الشهيد أبو عمار بفيض إنسانيته, وإحساسه بكل من حوله حتى الأعداء، هذا هو ياسر عرفات الإنسان ساحر القلوب والعقول فقد كان استثنائيا في كل شيء".
ياسر عرفات ما هذا الغياب؟
ياسر عرفات ذاك الشخص المتواضع الذي حير الكلمات وعجزت الأقلام عن كتابة سيرته وفهم تعابيره التي حملت في كل عبارة معنى يؤكد تمسكه بفلسطين، تل الحكاية الجميلة التي عشقها وقضى من أجلها.
رحمك الله سيدي أبا عمار، لقد شكل استشهادك فاجعة بالغة الأثر، ازدادت حدتها مع قدوم خليفتك وحدوث الانقسام الجيوسياسي وضرب الحصار الخانق على قطاع غزة ثم شن إسرائيل حرب الإبادة الجماعية 2024، لقد اتسمت فترة ما بعدك بغياب الأفق، وفقدان البصر والبصيرة، وتكشفت أزمة القيادة السياسية الحالية، وانكشف ضعفها أمام القاصي والداني.
فكم نحن بحاجة شديدة إلى عرفات جديد يلملم جراح أبناء شعبه يداوي جراحهم ويوقف حرب الإبادة ويعيد وحدتنا ويهزم أعدائنا, ويبقى أبو عمار أسطورة كفاح و عز لا تعاد مرتين.