- جيش الاحتلال يطلق قنابل إنارة بالأجواء الجنوبية لمدينة غزة بالتزامن مع إطلاق نار من آلياته العسكرية
كما قال نتنياهو، فهو لن يوقف الحرب في قطاع غزة بحثاً عن تحقيق أهداف مستحيلة، فهو يعرف ذلك حق المعرفة، ولكنه لن يوقف الحرب حتى يبرر بقاءه السياسي وحتى لا تنهار إسرائيل أمام محور المقاومة، فوقف الحرب معناه الدخول في مفاوضات حقيقية، ونتنياهو لا يريد ذلك، ولا يمكنه ذلك أيضاً، فهو يتصرف بمنطق المنتصر، لا الباحث عن تسوية، هو يريد الاستمرار في الحرب ليحقق الأهداف الخفية منها، فلا يعنيه الأسرى ولا يعنيه اجتثاث حركة حماس، ما يعنيه هو محو المكان وضمان الهدوء لعقود وتحويل القطاع إلى مفترق طرق للمواصلات والاتصالات والاستثمارات والاستيطان، ما يعنيه هو تغيير كامل في الديموغرافيا والجغرافيا الفلسطينية بشكل يقطع الطريق إلى الأبد على أية تسوية مع الدولة الفلسطينية، والفصل بشكل لم يسبق له مثيل بين تجمعات الشعب الفلسطيني بحيث لا يعودوا قادرين على بناء مجتمع أو إقامة دولة، تدمير قطاع غزة وتهجير أهله هو محو للجغرافيا التي حمت وحضنت وغذت الهوية الوطنية الفلسطينية. هذه الأهداف الحقيقية لنتنياهو في استمرار حربه على القطاع، حيث من الممكن أن يخفض من وتيرتها، ولكنه بالتأكيد لن ينهي احتلاله للقطاع، حتى لو كانت هناك مفاوضات مع أطراف عربية أو دولية أو فلسطينية لكيفية إدارة القطاع، فإسرائيل هذه المرة، تريد أن تتحكم بكل ما يتعلق بحياة القطاع وحياة أهله. هذه الأهداف تتضمن أيضاً العمل على تهجير المواطن الفلسطيني بكل السبل المتاحة. هذا يعني في النهاية أن نتنياهو يستثمر في الحرب لإطالة حكمه وإطالة الاحتلال وإطالة الصراع أيضاً.
يكاد يجمع الزعماء في الشرق والغرب في تصريحاتهم على أن اطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة هو المطلب الأول لهم، فلا شيء يشغلهم أو يستوقفهم أو يهمهم سوى هؤلاء الأسرى، بل هناك من يتباكى عليهم ويشير إلى معاناة أهاليهم وضرورة لم شمل العائلات، وهناك من يشير إلى سوء معاملتهم وقسوة الظروف التي يعيشون تحتها. ونحن لسنا ضد إطلاق سراح كل أسير على وجه هذه الأرض لأن ذلك يضمن إطلاق سراح أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني لا احد يتذكرهم، ولا أحد يتعاطف معهم ولا أحد يطالب بإطلاق سراحهم أو العمل على تحسين شروط اعتقالهم رغم كل ما يصدر من أخبار مروعة عن ظروف اعتقالهم. إن التباكي على الأسرى الإسرائيليين هو جزء من هذا النفاق والخداع والازدواجية وسيطرة القوة، وهو يعكس أن الغرب الاستعماري بالذات إنما يعطي إسرائيل كل ما تحتاج من شرعيات وأموال وسلاح وحماية وتبنٍ للرواية الإسرائيلية لمجمل الصراع . بكلمات أخرى، إن هذه التصريحات ليست مجرد كلمات وليست مجرد مجاملة مجانية، بل هي رؤية كاملة للصراع، فالغرب الاستعماري أسقط كل الأقنعة عن وجهه، ولم يعد يجامل أحداً على الإطلاق، فهو لن يسمح بهزيمة إسرائيل أو انتقادها أو سحب الشرعية عن أفعالها، هذه المرة ، يقف الغرب عارياً تماماً لتظهر عورته القبيحة تماماً، كما عبرت عن ذلك وزيرة الخارجية الألمانية بالقول: إن كل الأهداف المدنية الفلسطينية تسقط مبررات حمايتها لأنها تستعمل كمأوى للإرهابيين"، أو كما قالت .. إلى هنا وصلت الأمور.
يجب أن نعترف، بأن هناك هجرة بين مواطنينا، ولا أقول الشباب فقط، هناك أسر تهاجر، نعم، لا بد من القول إن ذلك يجري. وبعيداً عن الشعارات والكلمات الكبيرة، فإن الادعاء المستخدم والأكثر شيوعاً لدى هؤلاء أن كل شيء تدهور، فلا أمن ولا أمان ولا استقرار ولا حياة هانئة، وأن الاحتلال يضيق كل سبل العيش وهو لا يضيقه فقط بل يحرمنا سبل العيش ويحرمنا منها أيضاً. الاحتلال جعل من حياتنا جحيماً لا يطاق، فقد صادر الأرض وجفف المياه وأغلق الشوارع ومنع البناء وحتى التنزه في الجبال، وهناك فقر وازدحام وبنية تحتية معدومة وبيئة ملوثة بما نعرف ولا نعرف، وهناك ظلم اجتماعي وفوارق وعدم انسجام وعنف داخلي على كل المستويات، والحرب أو ظروف الحرب تخرج أسوأ ما لدى الإنسان، لهذا كله، فالهجرة صارت مخرجاً وحلاً سهلاً وقريباً ومتاحاً أيضاً لأسباب كثيرة لا تخفى على عاقل. أقول ذلك بكل ألم، ولا أدعي هنا الحلول ولا أطرح سبل الخروج من هذه الورطة. فمنع الهجرة أو التقليل منها لا يعود لجهود مؤسساتية اجتماعية فقط، بل هي قرار فردي في نهاية الأمر، الهجرة عذاب لمن لا يعرف، والبقاء في الوطن عذاب أيضاً، وعذاب عن عذاب يفرق كثيراً في الحقيقة.
..........
التباكي على الأسرى الإسرائيليين هو جزء من هذا النفاق والخداع والازدواجية وسيطرة القوة، وهو يعكس أن الغرب الاستعماري بالذات إنما يعطي إسرائيل كل ما تحتاج من شرعيات وأموال وسلاح وحماية وتبنٍ للرواية الإسرائيلية لمجمل الصراع.