- طيران الاحتلال يشن غارتين على منطقة قاع القرين جنوب شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة
- قصف إسرائيلي بالقنابل الحارقة على محيط بلدة المنصوري في قضاء صور جنوبي لبنان
عندما قررت حركة «حماس» الهجوم على تجمعات غلاف غزة في السابع من أكتوبر من السنة الماضية لم تكن تقدر حجم الرد الإسرائيلي، ولا إلى أي مدى ستذهب إسرائيل في ردها. وبطبيعة الحال لم تتوقع حجم الانهيار الذي حصل لدى الجيش وقوى الأمن الإسرائيلي في منطقة الهجوم.
ولكن كان واضحاً من اليوم الأول للحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة أنها تريد تدمير القطاع وتهجير سكانه. وأنها تريد تغيير الواقع في غزة بصورة جذرية لإسكات جبهة غزة مرة وإلى فترة طويلة قادمة إذا لم يكن إلى الأبد، طالما هي تستطيع ذلك. وشجع إسرائيل في ذلك الضوء الأخضر الكبير والواضح من الولايات المتحدة ومن عدد من الدول الغربية التي سارعت لتقديم كل أنواع الدعم لإسرائيل في حربها، بما في ذلك مدها بجسر جوي من السلاح والعتاد بصورة غير مسبوقة.
هجوم «حماس» كان ورطة كبيرة غير محسوبة ساهمت في منح إسرائيل الذريعة لتنفيذ مخططات كان من غير الممكن تنفيذها في ظروف مغايرة. ولكن المشكلة هنا لا تتعلق فقط برغبة إسرائيل التخلص من ثقل الجبهة الغزية بل في محاولة انتهاز أي فرصة لتقليص خطر الجبهة الشمالية، وتحديداً الخطر الذي يمثله «حزب الله» الذي باتت قوته تقلق إسرائيل كثيراً، وخاصة تزوده بكمية كبيرة من الصواريخ والصواريخ الدقيقة التي يمكنها إحداث أضرار كبيرة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. هجوم «حماس» ورط «حزب الله» في الدخول في حرب لم يكن مستعداً لها والإعلان عن أن لبنان «جبهة مساندة».
فاضطر بسبب التمسك بشعار «وحدة الساحات» و»محور المقاومة أو الممانعة» ألا يتخلى عن «حماس»، وهذا ما كانت إيران تريده أيضاً وخاصة وأنها ترغب في تثبيت معادلة وحدة وتضامن حلفائها في مواجهة الأعداء. وورطة «الحزب» كانت أساساً في ربط وقف إطلاق النار المتزامن بين جبهة غزة وجبهة جنوب لبنان.
ربما كان دخول «حزب الله» الحرب إلى جانب فصائل غزة مفيداً من الناحية المعنوية، ولكنه في الواقع لم يغير في شدة أو وتيرة الحرب في غزة واستمرت قوات الاحتلال في تدمير القطاع بصورة هائلة وغير مسبوقة على المستوى الدولي، وتهجير سكانه من مكان لمكان وقتل أعداد هائلة من المواطنين الأبرياء ومن مقاتلي الفصائل بما في ذلك قتل عدد كبير من القادة. وكان في اعتقاد «حزب الله» أنه يستطيع استمرار الحرب في إطار استنزاف متواصل مسيطر عليه لا تستطيع إسرائيل تحمله، وبالتالي تضطر للبحث عن وقف إطلاق النار وعدم الذهاب نحو حرب شاملة في ظل معارضة دولية كبيرة لتوسيع نطاق الحرب نحو حرب إقليمية على اعتبار أن حرباً واسعة في لبنان تؤدي إلى تدخل إيران.
في الواقع، وقعت «حماس» و»حزب الله» في أخطاء تكتيكية واستراتيجية في تقدير ردود الفعل الإسرائيلية وإلى أي مدى يمكنها أن تبالغ في ردودها، وفي تقدير الدور الإيراني وإمكانية التدخل الإيراني المباشر في الحرب، وايضاً في تقدير حجم الضغوط التي يمكن أن تمارس على إسرائيل نتيجة لتصعيد عدوانها على كل من غزة وجنوب لبنان. وهذا أربك حساباتهما ولكنهما ارتكبا خطأً آخر هو عدم القدرة على التراجع في مرحلة ما وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ففي غزة، كانت «حماس» في مرحلة ما وخاصة بعد تنفيذ الصفقة الأولى للتبادل قادرة على طرح مبادرة للتخلص من قضية المحتجزين بطريقة توقف الحرب ولو لفترة طويلة نسبياً ومؤقتة. فالرهان على أن حاجة إسرائيل للإفراج عن المحتجزين في غزة مقابل الحفاظ على وجود «حماس» كان خاطئاً. فلم تكن الحكومة الإسرائيلية الحالية في أي مرحلة مستعدة لوقف الحرب تماماً مقابل الإفراج عنهم. وكان لازماً اللعب على خلق آليات لتحويل وقف مؤقت لإطلاق النار لوقف دائم، حتى لو كان الثمن الموافقة على نزع سلاح غزة. وها نحن في وضع إسرائيل مستمرة في حربها في غزة على نار هادئة وتتفرغ لحربها في الجبهة الشمالية.
أما خطأ «حزب الله» فكان في التصاقه بموقف وقف إطلاق النار المتزامن بالرغم من الهجوم الإسرائيلي الشرس الذي ابتدأ بتفجير أجهزة الاتصال والأجهزة الإلكترونية وتصعيد حدة القصف واستهداف قادة الحزب. كان على قيادة «حزب الله» أن تبحث بسرعة عن طريقة لوقف إطلاق النار وعدم توفير أي ذريعة لإسرائيل لتدمير جنوب لبنان وربما جزء كبير منه، عدا عن خسائر الحزب الفادحة بما فيها تصفية الأمين العام حسن نصر الله وعدد كبير من قيادات الحزب. فالتراجع خطوة أو خطوتين للوراء يتطلب شجاعةً وحكمة ربما أكبر حتى من القرار بالهجوم والحرب. والموضوع في نهاية المطاف حسابات ربح وخسارة.
ما حصل في الحرب التي تحدث في غزة ولبنان هو خسارة كبيرة كان يمكن تفاديها أو التقليل منها في مرحلة ما قبل الذهاب نحو خط النهاية المدمر بغض النظر عن مدى نجاح إسرائيل في الوصول إلى كامل أهدافها. فما تستغله إسرائيل هو حالة الحرب المدعومة من الولايات المتحدة ومن عدم وجود ضغوط دولية حقيقية لوقفها، التي تمكنها من الذهاب نحو تحقيق أهداف كانت بمثابة أحلام بعيدة المنال. فالحفاظ على القوة ولو بشكل غامض ربما كعصا يمكن التلويح بها لتحقيق توازن ما أفضل من الدخول في معركة تكسر فيها العصا وتكون الخسارة كبيرة.