اليوم السبت 23 نوفمبر 2024م
عاجل
  • شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزة
شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزةالكوفية تشكيلة ترامب للمناصب في إدارته الرئاسية – طالع الأسماءالكوفية 6 شهداء في غزة وخانيونس وتدمير مسجد بالنصيراتالكوفية شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزةالكوفية أبو عبيدة يعلن مقتل أسيرة إسرائيلية في شمال قطاع غزةالكوفية دعوة للجنائية الدولية لطلب مساعدة "الإنتربول" للقبض على نتنياهو وغالانتالكوفية إصابات بقصف الاحتلال مركبة في مدينة صور، جنوب لبنانالكوفية لمعاينة مواقع المستوطنات - تفاصيل دخول زعيمة حركة استيطانية إلى غزةالكوفية جيش الاحتلال يطلق قنابل دخانية بشكل كثيف غرب مخيم النصيراتالكوفية أوستن يتحدث مع كاتس بشأن اتفاق مع لبنان يضمن هذا الأمرالكوفية مدفعية الاحتلال تقصف محيط دوار أبو شريعة في حي الصبرة جنوب مدينة غزةالكوفية تطورات اليوم الـ 414 من عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزةالكوفية طيران الاحتلال يشن غارتين على منطقة قاع القرين جنوب شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزةالكوفية قصف إسرائيلي بالقنابل الحارقة على محيط بلدة المنصوري في قضاء صور جنوبي لبنانالكوفية "شؤون الكنائس" تدعو لاقتصار عيد الميلاد على الشعائر الدينيةالكوفية 120 شهيدا و205 مصابين في 7 مجازر جديدة بقطاع غزةالكوفية جنوب إفريقيا: نية إبادة غزة لدى "إسرائيل" صارخةالكوفية مخطط إسرائيلي يهدد أقدم مسجد في حيفاالكوفية مصادر طبية: تعطيل المولد الكهربائي وشبكة الأوكسجين والمياه في مستشفى كمال عدوان بسبب القصف المتواصلالكوفية الاحتلال يغير القوانين في الضفة بما فيها القدس للاستيلاء على الأراضيالكوفية

عـن الافـتـراق فـي الـوعـي

12:12 - 25 سبتمبر - 2024
توفيق أبو شومر
الكوفية:

أصرَّ أحمد مساء يوم 20-10-2023  أن يحدثني عن نبوغه في مجال التمريض والطب، وأنه يملك موهبة اكتشاف شرايين الدم في أذرع المرضى ممن يحتاجون لحقنٍ تغذية، وكيف أن الأطباء الماهرين كانوا يعجزون عن اكتشاف شرايين الدم في أجساد المرضى، بخاصة عند المواليد وعند بعض الأشخاص ممن لا تظهر شرايينهم بوضوح، قال أحمد: كنتُ أنتشي عندما كان الأطباء ينادونني: «أحمد ضع أنبوب التغذية في وريد المريض».
أصر أحمد ابن أخي في تلك الليلة وهو يجلس في بيت والده أن يحدثني عن مسيرة حياته كلها، وبخاصة في مجالات نبوغه، كان يسكن في بناية صغيرة المساحة وسط مخيم اللاجئين، هذه المساحة اشتراها والده، خصصها سكنا لولدين من أولاده، بنى لكل ولد منهما شقة خاصة في الطابق العلوي، أما الطابق السفلي فخصصه دكاناً للتجارة.
حدثني أحمد في تلك الليلة بشغف عن موهبة أخرى، عن نبوغه في صناعة مواد التنظيف والشامبو، أراد أن يُثبت لي كفاءته في صناعة أرقى أنواع الشامبو والصابون والمنظفات بأرخص الأثمان، لأنه تمكن من العثور على أسرار تلك المستحضرات بالمتابعة العلمية والتجربة العملية، لذلك فهو يملك كل الأدوات اللازمة لهذه الصناعة، كان يود أن ينجح في تغليف منتجاته بشكل علمي ليتم تسويقها بصورة أفضل من إعادة تدوير القوارير القديمة، كان سعيداً جداً بالدخل المادي، وأنه تمكن من شراء دراجة نارية خصصها للتوزيع، كان قادراً على الإنفاق على أسرته المكونة من أربعة أفراد، زوجته وابن وابنتين، حدثني طويلاً عن جود، ابنته الصغرى وهي في الثانية من عمرها وُلدت بمشكلة صحية، ورغم ذلك بدت عليها علائم الذكاء، كانت أكبر من عمرها الحقيقي، قال: أحسستُ بأنها ستكون متفوقة في دراستها، وأنها كانت تتحدى مشكلتها الصحية الخطيرة، كانت ابنة حياة، مما اضطرني للحصول على منحة لعلاجها في مستشفى تخصصي، كان حديثه مملوءاً بالحب والحنان والحرص على متابعة صحة هذه الابنة، ابتسم وهو يقول: أخيراً نجح طبيب فلسطيني في إجراء عمليتين جراحيتين ناجحتين، مما جلب لي السعادة بشفائها شفاء تاماً.
كان يسرد روايته لي وأنا أتمدد على بقايا كنبة جلوس مصنوعة يدوياً من خشب الصناديق، فجأة طلب من ابنته الكبرى أن تُحضر جود من حضن أمها لأراها، كانت عينا جود طافحتين بحب الحياة، لم تغضب حين وضعها في حضني بل كانت سعيدة، طبعت على جبينها قبلة، لم تنفر، بل شعرتُ بأنها انتشت وابتسمت، بسرعة استعاد ابنته من حضني وشرع في تقبيلها وخرمشة وجهها الطري بلحيته، كانت تضحك وهي تعتصر بإصبع يدها الغض أذنه، كم كانت سعيدة عندما صرخ مدعياً الألم من عصر أذنه! ظلت تقرب خدها من شفتيه وتمنحه ابتسامة كمكافأة.
كان شغفه بابنته جود وبقصص تفوقه وحلمه بالمستقبل لتطوير شركته يرسم على وجهه سعادة التألق والانتشاء.
صوت زنين الطائرة المسيّرة يقتحم الجمجمة، يشوّش العقل، ورغم ذلك كنت قادراً على الإحساس بمقدار سعادة أحمد وهو يقص عليَّ فرحه بنجاة ابنته جود من مرضها.
كان ضوء البطارية يخبو قليلاً قليلاً لغياب التيار الكهربي، كنت أغالب النعاس وأحاول أن أظل منتبهاً طوال هذه المدة الطويلة، لكي أمنحه مزيداً من الإعجاب بمثابرته وإصراره على التفوق.
غادر أحمد بيت والده في تمام الساعة الحادية عشرة مساء، متجهاً نحو بيته القريب، كان حليق الذقن متورد الوجنتين يلبس جلابية جديدة، تفوح منها رائحة العطر، كان الظلام في الخارج دامساً، اقتاد ابنه بيده وخرج!
كنت أحاول أن أغفو على صوت المذياع المنبعث من هاتفي، وهو يعدد غارات الطائرات وأعداد القتلى، لم أنجح في إغفاءة طويلة، انشغلتُ طويلاً بقصة أحمد ومهاراته في اكتشاف شرايين الدم في أذرُع المرضى، ونبوغه في صناعة مواد التنظيف، ظللتُ أتساءل: لماذا حدثني عن كل مواهبه؟
غفوت غفوات متقطعة حتى بداية خيوط الفجر الأولى، حين أيقظ انفجارٌ ضخم جميع النائمين في محيطنا، قفزت بسرعة من فراشي الأرضي، كومة من السواد اكتسحت خيوط الفجر الأولى وأسدلت عليها ستائر من الغبار الدقيق تحجب الرؤية، لم أكن أعرف موقع الانفجار بالضبط ولكنني كنت أحس بأنني في وسطه بالضبط، ظللت أتابع اتجاه الذين يجرون نحو الانفجار، قال أحدهم إن الانفجار أطاح ببيت أحمد وأخيه لأنه ملاصق للبيت المقصود بالتفجير، هدمت القنابل أساسات بيت أحمد ودُفن الطابق الأول كلُّه في أساس البيت السفلي، مال الطابق الثاني على الشارع. انشغل إخوة أحمد في إيجاد ثقب يمكنهم من الوصول إلى أسرة أخيهم، كانت الإضاءة تنبعث من هواتف المحيطين بالمكان، أخيراً وجدوا فتحة متشققة صغيرة جداً تطل على أسرة أحمد، أضاؤوا الفتحة بكشاف الهاتف، كان أحمد فاقد الوعي، سحبوه من الفتحة الصغيرة، لكنه لم ينج، ولم تفلح محاولة إنعاشه، لكنهم تمكنوا من إخراج زوجته وابنته الكبرى وابنه وهم مصابون بجروح ورضوض متعددة، كان ثلاثتهم على قيد الحياة، أما جود ابنته الصغرى فلم يتمكن أحد من إيجادها.
حاول إخوته طوال اليوم العثور على الابنة جود، ولكنهم فشلوا في تحديد مكانها تحت الركام، كنتُ أخاف على إخوة أحمد الأربعة عندما ظلوا يحاولون البحث عن رفات جود بين ركام بيتهم الغائر في الأرض، حتى أن والدهم حذرهم ومنعهم من الغوص وسط الركام، خشية أن ينهار البيت بالكامل فتتضاعف الفاجعة.
لم تغب جود عن مغامرات أعمامها ورغبتهم في العثور عليها، لم ييأسوا في البحث عنها، ظلوا يتسللون عبر فتحة في بقايا الركام، إلى أن تمكنوا بعد ثلاثة شهور من العثور على بقايا جسدها الغض المتحلل، جمعوا بقايا جسدها، عبؤوه في وعاء فخاري قديم، أغلقوا الوعاء الفخاري، دفنوها في حضن قبر أبيها!

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق