- وزارة الصحة: استشهاد سامر محمد أحمد حسين (٤٦ عاما) برصاص الاحتلال قرب سلفيت
عجز بايدن عن «فرض» ما تسعى له واشنطن في غزة، إن كان ما يخص صفقة التبادل أو فتح الأبواب للمساعدات أو حتى التقليل من الخسائر البشرية، وكذلك التوقف عن قرصنة أموال السلطة، لا يعني بأن الخلافات بين الطرفين وهمية أو غير حقيقية أو مفتعلة، بقدر ما تعني بأن بايدن أساسا هو رئيس ضعيف، عجز طوال 4 سنوات عن فعل أي شيء ضد إرادة نتنياهو، حتى وحين أقصي نتنياهو عن الحكم، بتولي نفتالي بينيت ويائير لابيد رئاسة الحكومة، خاصة ما كان وعد به مباشرة بعد دخوله البيت الأبيض، ونقصد إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، وقد ازداد ضعف بايدن الذي دخل البيت الأبيض، ممثلاً ليمين الحزب الديمقراطي، وظهر ليبرالياً أو عقلانياً بالمقارنة مع رئيس جمهوري متشدد بل متعصب، لم يهتم بعدم الظهور كعنصري داخلياً وخارجياً، والآن بايدن في غاية الضعف وهو يسير على طريق انتخابي محفوف بالخطر، يواجه خصمه السابق بالذات.
وحقيقة الأمر أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت كثيراً مما كان مخفياً، إن كان ما يخص العلاقة الأميركية _الإسرائيلية، بتفاصيلها، أو العلاقات الداخلية في كل من أميركا وإسرائيل، خاصة ما يتعلق بالتطور الذي من الطبيعي أن يحدث مع الأجيال الشابة، وذلك بالنظر الى أن جو بايدن ودونالد ترامب عجوزان، بعيدان بقدر كبير عن ثقافة وأفكار ومعتقدات الجيل الشاب، وقد اتضح هذا في استطلاعات الرأي التي أظهرت تغيرا في نظرة الشباب الأميركي، خاصة من منتسبي الحزب الديمقراطي، ورغم أن بايدن صديق جداً لإسرائيل، ورغم أنه قدم خلال هذه الحرب كل ما احتاجته إسرائيل عملياً من دعم عسكري وسياسي، ما كانت دونه يمكنها أن تقف على قدميها لمدة 48 ساعة، إلا أن خلافات جدية وعديدة ظهرت بينه وبين نتنياهو طوال فترة الحرب، ورغم أن مثل هذه الخلافات، هي بين نتنياهو وكثير من الإسرائيليين، إن كانوا أولئك الذين في المعارضة، أو حتى ما بين المستوى السياسي المتطرف والمستوى العسكري المهني، رغم كل ذلك، فإننا نرى بأن هناك ما هو استراتيجي يفسر الخلاف الأميركي _الإسرائيلي.
ولو كان هناك رئيس ديمقراطي قوي في البيت الأبيض، لكانت معالجة الخلافات بين الدولتين في كثير من تفاصيل التكتيك الإسرائيلي المتبع في الحرب، أو حتى فيما يخص استمرارها نفسه، قد اختلفت، وحقيقة الأمر أيضاً أن وجود جوقة فاشية في الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، يعني الشيء الكثير لدولة تقود العالم، تحت يافطة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمهم أنه لا بد من النظر لكلا الدولتين منفردتين أو في سياق العلاقة الخاصة التي تطلقان عليها استراتيجية، من منظور يتوافق مع العام 2024، وليس وفق ما هو متوارث منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، أو خلال الحرب الباردة، فقد جرت خلال نحو ثمانين عاماً كثير من المياه الجديدة، خاصة خلال الثلاثين سنة الأخيرة، أي خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، ذلك أن إقامة إسرائيل من قبل الغرب الإمبريالي، كانت مبكرة، وحتى قبل المحرقة، وذلك بدافع أن تكون قاعدة عسكرية متقدمة، أو كهراوة غليظة الهدف منها هو إحباط كل محاولات حركة التحرر العربي للانتعاق من قبضة الهيمنة الاستعمارية الغربية أولاً، ومن ثم الهيمنة الإمبريالية تالياً، وهكذا ظلت إسرائيل أقل من دولة مستقلة عملياً وفعلياً، وظلت بحاجة لحماية الغرب، بريطانيا أولاً وأميركا تالياً.
هكذا كانت إسرائيل تقدم الخدمة الاستعمارية للغرب منذ أن أُقيمت، وكان الغرب بحاجتها كثيراً، بل كان بحاجة ماسة لها، حين كانت الحرب الباردة على أشدها، حيث كان الطرفان يتنافسان على النفوذ العالمي، وكان الشرق الأوسط بالذات منقسماً بين نفوذ المعسكرين، وهو _أي الشرق الأوسط_ الذي كان يتمتع بمكانة مهمة للغاية، خاصة خلال النصف الثاني للقرن العشرين، مع ازدياد أهمية الطاقة _النفط والغاز_ خاصة للغرب الأوروبي الصناعي الذي يفتقر لتلك الطاقة، وهكذا كانت الحروب بين اسرائيل والدول العربية، المجاورة لها خاصة_كلا من مصر وسورية_ بنظاميهما التحرريين، سرعان ما تشهد تدخل القوى العظمى، خاصة أميركا ودول الغرب الأوروبي لصالح اسرائيل، وليس أدل على ذلك من حرب العام 1956، حيث وقع العدوان الثلاثي: البريطاني، الفرنسي، الإسرائيلي على مصر الناصرية، بهدف احتلال قناة السويس وتحطيم النظام التحرري، كذلك خلال حرب العام 73، حيث نجح المصريون والسوريون في تحقيق نصر خاطف على إسرائيل فسارعت الولايات المتحدة الى إنشاء جسر جوي لدعم إسرائيل بكل أنواع السلاح الذي منع إلحاق الهزيمة الماحقة بها، التي كان يمكن أن تفرض عليها الانسحاب من كامل سيناء والجولان.
وقد حدث الشاهد الثالث وبشكل بيّن، وإن كان قد وقع بعد فارق خمسين عاماً كاملة، وبعد انتهاء الحرب الباردة بأكثر من ثلاثين سنة، لكن هذه المرة ظهرت الخلافات حول متابعة الحرب وحول ما يتخللها من تفاصيل، متعلقة بقتل المدنيين وارتكاب جرائم الحرب، ولأن الحرب ما زالت قائمة، فإننا نعتقد بأن أبواب الخلاف ستظل مفتوحة، بل إن حجم الشقاق بين أميركا وإسرائيل سيزداد اتساعاً، ليس فقط فيما يخص ترتيبات ما بعد الحرب، بل فيما يخص استمرارها، وهناك احتمالان يمكن توقعهما: أولهما على المدى البعيد، أي ما بعد إجراء الانتخابات الأميركية، فإذا ما بقي بايدن في البيت الأبيض، فإنه سيكون أكثر قوة في التعامل مع نتنياهو اذا بقي هذا في سدة الحكم، أما إذا عاد ترامب الى البيت الأبيض، فإنه يمكن أن ينسحب من أوكرانيا مقابل أن يعزز وجوده في الشرق الأوسط، وهذا ما يتطلع إليه نتنياهو، أما على المدى القصير، فإن بقاء الفاشيين في حكومة نتنياهو مع ارث الصهيونية الدينية كلاهما يعتبران عقبة في طريق كلا الدولتين لاحتلال مكانة متقدمة، أميركا على الصعيد الكوني، واسرائيل على الصعيد الإقليمي.
وفي مواجهة عدم انصياع نتنياهو لبايدن، أقدم بايدن قبل ثلاثة أشهر على الامتناع عن قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما أثار غضب نتنياهو، ثم عاد قبل أيام لتقديم مبادرته الى مجلس الأمن، وذلك للالتفاف على رفض نتنياهو وقف الحرب، وحتى لا يغلق الباب أمام مفاوضات صفقة التبادل، حيث رحبت حماس بقرار مجلس الأمن، والأهم من هذا كله هو ما ذكرته شبكة (أن بي سي) الأميركية نقلاً عن مصادر أميركية من أن إدارة بايدن تدرس عقد صفقة أحادية مع حماس، أو من وراء ظهر الإسرائيليين، وذلك لإطلاق سراح خمسة محتجزين أميركيين، وبالطبع فإن الشبكة لم تكشف عن العرض الأميركي مقابل الإفراج عن المحتجزين الأميركيين، ولا حتى أنها اشارت الى احتمال أن يكون ذلك مجرد أداة ضغط على نتنياهو حتى يوافق على صفقة التبادل التي لن تنعقد دون وقف الحرب ودون انسحاب اسرائيل من قطاع غزة، لكن مجرد الكشف عن مثل هذه الأفكار، ومثل هذه الصفقة التي كنا قد قلنا باحتمال ان تخطر ببال الأميركيين في مقالنا في «الأيام» يوم 8 / 3 / 2024، تحت عنوان «يمكن أن تكون الصفقة مع بايدن»، يعني بأن بايدن لا يحتمل الشراكة مع نتنياهو.
كل هذا يمكن أن يبقى مجرد أفكار، لكن ما يستحق التفكير فيه حقا، هو أن إسرائيل لم تعد تلك القاعدة المتقدمة للغرب، أو العصا الغليظة للمعسكر الإمبريالي في الحرب الباردة، بل باتت دولة إقليمية تتطلع للهيمنة والنفوذ الخاص بها في الشرق الأوسط، والتحقق كدولة إقليمية عظمى، فيما أميركا تسعى للبقاء زعيماً للنظام العالمي، بالحفاظ على النظام العالمي الحالي، وحيث أن كثيراً من الدول قد تعاظم حجمها الاقتصادي والعسكري، وباتت كثير من الأقطاب الكونية تنافس الزعامة الأميركية، بل وتحاول أن تقيم نظاماً عالمياً آخر، متعدد الأقطاب، فإنه من الطبيعي أن يطرأ تغير حقيقي وجدي على العلاقة الخاصة بين أميركا واسرائيل، القائمة منذ عقود، ولأن التطرف القومي، والتعصب العرقي يحول دون أن تنفتح الآفاق أمام الدول التي يتحكم بها، على طريق الانفتاح العالمي، فإن جيلاً من طلاب الجامعات الأميركية سيكونون نواباً في الكونغرس، بل إن أحدهم سيكون في البيت الأبيض، سيضع مصلحة أميركا فوق اعتبارات العقيدة الدينية، ولن يرى في الفاشيين المتطرفين حليفاً، ولا شريكاً سياسياً، وهكذا فإن أميركا ستحاول التحرر من عبء إسرائيل عاجلاً أم آجلاً.