- وزارة الصحة: استشهاد سامر محمد أحمد حسين (٤٦ عاما) برصاص الاحتلال قرب سلفيت
من أعجب وأغرب أنواع المناكفات، وبهذه الدرجة من الانفعال والصخب هو ما شهدناه في هذه الأيام، وما زلنا نشهده حول العرائض، والدعوات إلى «مجلس وطني فلسطيني»، وإلى تحشيد يهدف إلى «إصلاح» منظمة التحرير الفلسطينية، و«إعادة بنائها»، وتحويلها من جديد إلى «قيادة وطنية واحدة ومُوحَّدة»، جامعة للكلّ الفلسطيني، وشاملة لكلّ المكوّنات السياسية والاجتماعية، وزاخرة بالكفاءات الوطنية من أجل إعادة ترتيب كامل الحالة الوطنية في مواجهة أخطار المشروع الصهيوني على الحقوق والأهداف الوطنية، وبهدف إنهاء حالة الانقسام المدمّرة التي تعاني منها الحالة الوطنية، وبهدف إعادة الاعتبار للتحرُّر الوطني الذي بات مطروحاً على كلّ المستويات بصورة مُلّحة، وأكثر من أيّ وقت مضى في ضوء ما أفرزته هذه الحرب الإجرامية التي يشنها التحالف الأميركي الصهيوني «الغربي» على شعبنا.
المقلق في هذا السياق هو استسهال إلقاء التهم، والخفّة في التصنيفات، وإدراج الناس في خانات تمسّ بوطنيتهم وتاريخهم دون الاستناد إلى أي وقائع حقيقية.
والمقلق أكثر أنّ هناك تعمّدا واضحا في «الحكم» على المختلِف والمعترِض، وعلى من يرى أمور الساحة الوطنية من زوايا أخرى، من غير زوايا ورؤى هؤلاء كمن قد «باع» نفسه لهذا الطرف أو ذاك، أو كمن أنّه يحيك في الخفاء مؤامرة «كونية» للنيل من منظمة التحرير الفلسطينية، وتحضير «البدائل» عنها. هذه الطريقة، وهذا الأسلوب يعكس في الحقيقة ويهدف إلى الهروب، والتهرُّب من أيّ نقاش، أو حوار حول الاستحقاقات التي باتت أكثر من مُلحّة.
وإذا كان بعض هذه القوى الهامشية، أو بعض الدول التي تعمل في حقل المقاولات للسياسة الأميركية، أو بعض الشخصيات التي تحاول أن تركب موجة إعادة البناء، أو إصلاح المنظمة لأهدافها المعروفة لنا جميعاً، فإنّ «توصيف وتصنيف» مئات الشخصيات الوطنية المعروفة لدى أوسع قطاعات شعبنا كشخصيات وطنية، كفاحية، مؤهّلة وجديرة بالاحترام والتقدير يعتبر بكلّ المقاييس إساءة وإهانة غير مقبولة في التقاليد الوطنية، وهي مرفوضة جملة وتفصيلا، وهي «توصيفات وتصنيفات»، تنمّ عن عمق المأزق الذي يعيشه هؤلاء المتسرّعون بأحكامهم، والمنفعلون والمتعجّلون بأفكارهم ورؤاهم لواقع الحالة الوطنية من جهة، ولمتطلبات الخروج من هذا الواقع من جهة أخرى.
وبدلاً من النظر في المرآة، وبدلاً من المراجعة، وبدلاً من التوجّه الصادق للمّ الشمل الوطني، واستيعاب المختلِف والمعترِض والمعارِض، يتمّ مع الأسف ــ بدلاً من كلّ ذلك ــ اللجوء إلى هذه الحملات التي باتت ترى في كل محاولة لإعادة ترتيب البيت الوطني باعتبارها سياقاً «مؤكّداً» لمؤامرة «كونية» تستهدف المنظمة، والسلطة الوطنية الفلسطينية، والمؤسسات الوطنية، في حين أنّ المستهدف الحقيقي الوحيد هو من يكبح جماح الإصلاح، ويقبض على مقدّرات هذه المؤسسات، ويمنع إصلاحها وإعادة بنائها، ويهمّش دورها، ويحوّلها إلى «ملحقات» وطنية يجري اللجوء إلى ما تمثّله، وما ترمز إليه، أو استحضارها لمحاصرة الإرادة الوطنية الشاملة نحو استعادة هذه المؤسسات لدورها، ولمكانتها، وتعزيز قدراتها ومقدّراتها.
لا يمكن لأحد أن يُنكر أنّ السعي والمحاولات لخلق بدائل عن منظمة التحرير الفلسطينية قد رافقت مسيرة الكفاح الوطني منذ أن أصبحت هذه المنظمة تتمتّع بالمكانة التي تمتّعت بها كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني في كلّ أماكن تواجده.
ولا يستطيع أحد في كلّ العالم أن يتجاهل بأنّ المنظمة قد تعرّضت لحروب طاحنة سياسية وعسكرية، وعلى مدار عقود كاملة للنيل من مكانتها، وذلك بالنظر إلى كونها أحد أهمّ منجزات الشعب الفلسطيني، وأحد أهمّ إعجازاته.
لم يسبق لحركة تحرُّر وطني في ظروف التشتُّت الفلسطيني، وفي شروط كانت تبدو مستحيلة في توحيد جهود وإمكانيات شعب بأكمله، وفي مواجهة شبكة جهنمية من الأعداء له، وفي محاولات لا تنقطع لتحطيم هويته الوطنية، وتدمير مقوّمات وجوده الوطني، لم يسبق لأيّ حركة تحرُّر وطني، في مثل هذه الظروف أن تمكّنت من توحيد أي شعب من شعوب هذه الأرض كما استطاعت أن تفعل المنظمة، ولهذا بالذات فهي الإنجاز والإعجاز معاً، في آنٍ واحد.
وبالمقابل ــ وهنا بيت القصيد ــ لم يسبق لحركة تحرُّر وطني أن غامرت بضياع هذا الإنجاز، وهذا الإعجاز بالطريقة التي تسير عليها الأمور في الساحة الوطنية الفلسطينية.
الاعتراض الحقيقي ليس على المنظمة، والتفكير الحقيقي هو بكيفية استعادة دورها ومكانتها، وليس خلق البدائل عنها.
وما أراه وأعتقد أنّ كل المحاولات التي جرت لخلق مثل هذه البدائل قد فشلت فشلاً ذريعاً، تماماً كما فشلت محاولات حصار المنظمة، أو خنقها، أو تجويعها على مدار عقود وعقود.
لقد فشلت المحاولات الأميركية، والإسرائيلية، و«العربية» والإقليمية، إمّا معاً ودفعةً واحدة، أو كلّ حسب «همّته وجهوده الخاصة».
وحركة حماس نفسها التي حاولت في مراحل سابقة أن تخلق مثل هذا البديل فشلت فشلاً ذريعاً، وعادت وسلّمت بالأمر الواقع، واقع استحالة إيجاد بدائل عن المنظمة، واستحالة إقناع الشعب الفلسطيني بهذه البدائل، وأصبح في حُكم المُسلَّم به، اليوم، أنّ الحلّ الوحيد الممكن هو المشاركة والشراكة من داخلها.
لا خوف على المنظمة إطلاقاً على هذا الصعيد.
الخوف الحقيقي على المنظمة يأتي من تهميش دورها، وحلول السلطة الوطنية الفلسطينية كبديل عنها، وتحويل المنظمة إلى ملحق من ملاحق السلطة، وتحويل كلّ مكانتها، وما تتمتّع به من مكانة سياسية وقانونية واعتبارية، ومن كونها بيت الشعب الفلسطيني الجامع، ومن صيغة ديمقراطية للبناء الجبهوي الشامل إلى مجرّد هياكل وبُنى يتمّ استخدامها في سياسات على كلّ المستويات والصُّعُد ليست في موضع التوافق والاتفاق الوطني، وبعيداً عن مسؤولية الشراكة والمشاركة.
كان يفترض أن تبقى المنظمة، وما زال مطلوباً أن تبقى هي القائد الفعلي للشعب الفلسطيني، وهي صاحبة الحقّ الحصري بالبتّ في كل قضاياه الوطنية الكبرى، وهي الوحيدة التي تجسّد حقوقه الوطنية الثابتة، غير القابلة للتصرف، وهي عنوان كفاحه الوطني، مهما كانت الصعوبات والظروف، وهي مظلّة هذه الحقوق، وهي الحامية والحاضنة للأهداف الوطنية، وليست السلطة. وإلى أن تعود العلاقة إلى وضعها الطبيعي فإنّ كلّ محاولات الحديث عن إصلاح، أو إعادة بناء، أو تفعيل ستظلّ عرجاء قبل ومن دون تصحيح هذه العلاقة.
آخر ما يفكّر به كلّ وطني فلسطيني، وكلّ وطنية فلسطينية، على امتداد فلسطين، كلّ فلسطين، وعلى امتداد كلّ ساحات الشتات، وأماكن تواجد الفلسطينيين هو «البحث» عن بديل للمنظمة، لأنه سيكون كمن يقدم على طبق من ذهب، الحقوق والأهداف الوطنية لأعداء شعبنا، وهو سيكون كمن يتنكّر لتضحيات شعبنا التي عزّ مثيلها في التاريخ المعاصر والحديث.
كفى مناكفة، وكفى هروباً وتهرُّباً من استحقاقات المراجعة والتراجع، وحان الوقت لننظر في عيون بعضنا بعضاً، وهذا كلّه ليس برسم جهة دون غيرها، وإنّما هو برسم كلّ من يفكّر بتدوير قرص النار إلى «حجره» الخاص، وأقصد مباشرة القائمين، على مشاريع المعارضة والاعتراض، لأنّ مسؤوليتهم عن التراجع والمراجعة لا تقلّ عن مسؤولية المنفعلين والمناكفين والمتسرّعين بإلقاء التهم بخفّة وارتجال ضد رفاق دربهم ومسيرتهم.