- وزارة الصحة: استشهاد سامر محمد أحمد حسين (٤٦ عاما) برصاص الاحتلال قرب سلفيت
غانتس وإيزنكوت دائماً يراهنان على الحصان الرابح، وهما من كبار الانتهازيين في السياسة، وعندما التحقا بمجلس الحرب المصغر، بناء على طلب أمريكي، إلى جانب نتنياهو وغالانت، كانا يواكبان اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي. في بداية الحرب كان 94% من الرأي العام الإسرائيلي مع الحرب التدميرية والثأرية والانتقامية على قطاع غزة، ولكن بعد تسعة شهور من هذه الحرب، التي لم تنجح فيها الحكومة ولا مجلس الحرب في تحقيق النصر لا على جبهة الحرب، ولا على جبهة التفاوض، ولا باستعادة الأسرى بدون تفاوض، ولا بالقضاء على المقاومة وفي قلبها حماس عسكرياً، ولا على حماس كسلطة وحكم، حيث الغوص في المستنقع الغزي والاحتراق بنيران رماله، ورأي عام يتراجع دعمه وتأييده للحرب إلى 27% فقط، وجيش يدفع المزيد من الخسائر ويتهالك وتنخفض روحه المعنوية وتنخفض أيضاً دافعيته للحرب، وتظهر عليه علامات التمرد، حتى أن احد جنود الاحتياط ، عندما دعي للعودة إلى الخدمة العسكرية في رفح، فضل أن ينتحر على أن يعود للقتال. وليس فقط هذا الحادث، بل سبقته عشرات حالات التمرد، والأخطر من ذلك، تداعيات الفشل في معركة 7 أكتوبر قادت إلى استقالات واسعة في المؤسسة العسكرية، ليس آخرها استقالة قائد فرقة قطاع غزة اللواء آفي روزفيلد، الذي قال أن استقالته أتت لفشله في تأمين الأمن والحماية لمستوطنات غلاف قطاع غزة. وقد سبقه لذلك الجنرال يهودا فوكس قائد المنطقة الوسطى والتي تشمل القدس والضفة الغربية ومنطقة "غوش دان"، وأيضاً كانت استقالة رئيس وحدة الاستخبارات العسكرية الداخلية "أمان" الجنرال أهارون حليفا، وقبلهم استقال رئيس قسم لواء الأبحاث في الجيش الإسرائيلي الجنرال عميت ساغر، وكذلك استقال أربعة عمداء ميدانيين، و"السبحة" قد تصل الى رئيس الأركان هيرتسي هليفي، حتى أن الجنرال غانتس المستقيل من مجلس الحرب اعتذر من أهالي الأسرى مقراً بالفشل.
الضغوط على المقاومة وحماس للقبول بشروط التفاوض الإسرائيلي، هي الأخرى لم تؤت أوكلها، رغم الحملة السياسية والدبلوماسية والإعلامية التي قادها بايدن، وتوظيف الدول العربية الوسيطة في عملية الضغط، حتى ان "غزوة رامبو" الأمريكية- "الإسرائيلية" المشتركة على مخيم النصيرات في الثامن من هذا الشهر، والتي شارك فيها أكثر من الف جندي وأسلحة الجو والبر والبحر والقوات الخاصة وكل أسلحة التجسس وما يعرف بالميناء العائم الذي طرح بإن إقامته من أجل إدخال المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية للقطاع، تم توظيفه لغرض هذه العملية بإدخال قوات خاصة "اسرائيلية" عبره كشاحنات إغاثة ومساعدات، وبعد كل هذا الحشد استطاعوا أن يستعيدوا أربعة أسرى أحياء وقتل ثلاثة آخرين بينهم واحد من حملة الجنسية الأمريكية. هذه العملية التي أكدت على الشراكة الأمريكية في العدوان على الشعب الفلسطيني وأن أمريكا ليست بالوسيط المحايد والنزيه، وأنها لا تسعى إلى وقف العدوان، بل مشاركتها في العملية، أتت لتقول للمقاومة، بأن اسرائيل وأمريكا تمتلكان خيارا آخر غير خيار التفاوض للضغط على المقاومة وحماس من أجل إستعادة الأسرى، وكذلك القول للرأي العام الإسرائيلي، أن موقف نتنياهو وشركائه من الصهيونية الدينية والقومية صحيح، وأن الضغط العسكري هو الطريق لاستعادة الأسرى.
هذا الخيار أكسب حماس والمقاومة مشروعية أكبر في رفض أي نصوص شفوية فيما يعرف بمقترح بايدن لإنهاء حالة الحرب وضرورة الإنسحاب الشامل من القطاع، وهذه "الغزوة" بدل من أن تقود إلى الضغط على المقاومة، زادت من تصلبها، حيث ستصر على أن تكون الضمانات بنصوص واضحة لا تقبل التأويل، ولن تقبل لا بالشفاهة ولا بالوعود، وستجعل هذا الخيار، خيارا غير واقعي بأن تتم كل تسعة شهور أو ربما أكثر استعادة لأربعة أسرى وقتل ثلاثة آخرين. المهم أن المركب الإسرائيلي يغرق والانتهازيان غانتس وإيزنكوت قالا كما يقول المأثور الشعبي: "المركب الغرقان الحقه بدفشه برجلك"، قفزا من المركب لمواكبة الرأي العام الإسرائيلي، ولكنهما لا يمتلكان أية رؤيا سياسية بديلة، بل يتحدث غانتس عن حرب تمتد لسنوات و"النصر فيها سيكون مكلفا".
غانتس وإيزنكوت ليسا أقل صهيونية من نتنياهو ولا تطرفاً، فغانتس في خطاب استقالته، دعا إلى تشكيل حكومة وحدة قومية صهيونية، بعيداً عن المشاركة العربية أو حتى دعمها من الخارج، ولكن الخلاف تركز حول أولويات الحرب، ووجدنا أن غانتس الذي وجه إنذاراً لنتنياهو، حتى الثامن من الشهر الحالي لرسم استراتيجية سياسية تتعلق بالحرب على القطاع ولكيفية الخروج من الحرب، أنه تردد بالخروج والاستقالة، بعد عملية مخيم النصيرات، ولكن في النهاية وجد أنه لا جدوى من الاستمرار في مجلس الحرب هذا، فالمركب يغرق والخسائر تتعاظم والفشل والمأزق يتعمقان، ولذلك أقدم هو وشريكه إيزنكوت على الاستقالة مبررين ذلك بأن حكومة نتنياهو كانت تعيق اتخاذ قرارات مصيرية واستراتيجية تعرقل خطط الحرب، وحولا شعار الوحدة إلى لغة عاطفية لا يوجد لها ترجمة على الأرض، وأن اعتبارات نتنياهو السياسية تتغلب على القرارات المصيرية والاستراتيجية، حيث التردد وعدم الجرأة، في إعادة مستوطني الشمال والعمل على إقامة تحالف إقليمي ضد إيران بالشراكة مع أحلاف التطبيع العربي الرسمي .
جدير ذكره، أن أمريكا لم تكن راغبة بخروج غانتس وإيزنكوت من مجلس الحرب، وهي لم تعمل على إسقاط نتنياهو، بل كانت منخرطه في مساراته السياسية والعسكرية، وهي من مدت له طوق النجاة في "غزوة رامبو" على مخيم النصيرات، من أجل عادة تلميع صورته، ولكن أمريكا لا تملك تصورا واضحا حول مساري الحرب والمفاوضات.
غانتس وإيزنكوت وصلا إلى قناعة بأن نتنياهو لن يستطيع أن ينتصر لا بالحرب ولا بالمفاوضات، ولو كان عندهما أدنى قناعة لما خرجا من المجلس، وكذلك أمريكا لا تملك أي تصور لليوم التالي لمبادرة بايدن، ونتنياهو لا يملك تصورا لما بعد "غزوة النصيرات".
صحيح أن خروج غانتس وإيزنكوت سيزيد من النشاط والحضور السياسي للمعارضة الإسرائيلية، وستتسع المطالبات بإقالة نتنياهو وإجراء انتخابات مبكرة سادسة، وسيواجه نتنياهو معضلة اتخاذ قرارات مصيرية واستراتيجية، وسيجد نفسه في مأزق وعزلة دولية إذا ما ضم إلى مجلس الحرب بن غفير وسموتريتش، وهو سيحاول أن يضم لمجلس الحرب زعيم "إسرائيل بيتنا" ليبرمان، وزعيم حزب "أمل جديد" جدعون ساعر، عبر إغراء ليبرمان بمنصب وزير الحرب، ولكن ليبرمان لن يتشجع بالدخول في حكومة يقودها نتنياهو، وهو يدعو إلى تشكيل حكومة صهيونية بعيداً عن بن غفير وسموتريتش، ولا يوجد انسجام في مواقف المعارضة، خاصة بين تحالف ليبرمان- لبيد- ساعر مع غانتس، ولن يكون من السهل إسقاط حكومة نتنياهو، خاصة إذا لم يظهر تمرد في حكومته أو انشقاق، فلديه 64 عضو كنيست ما يمكنه من السير في هذه الحكومة حتى نهايتها، ولكن قد تحدث مفأجات بأن تنجح المعارضة في حشد قطاعات واسعة تصل لحد التهديد بعصيان مدني من أجل فك الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، أو تلعب قضية تجنيد اليهود"الحرديم" دوراً حاسماً في فرط عقد الحكومة، خاصة إذا صوت غالانت لصالح تجنيدهم، ولكن نتنياهو في هذه المرحلة بحاجة لغالانت، وسيسعى إلى استمالته، لأن اليهود الحرديم من حركتي "شاس" و"يهوداة هتوراة"، اذا جرى إقرار التجنيد سينسحبون من الحكومة ويسقطونها.
هذا الانسحاب يؤكد أنّ المسار المعاكس الذي بدأ بعد السابع من أكتوبر وجلب الوزيرين إلى الحكومة ومجلس الحرب قد انتهى، سواء شعبياً أو سياسياً لجهة اتجاهات الرأي العام الذي انقلب عن تأييد الحرب إلى معارضتها والشك بجدوى استمرارها، أو تفاوضياً وعدم الثقة بجدية نتنياهو بالتوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى، وأن الحكومة التي مثلت المركب الآمن قبل تسعة شهور قد صارت مركباً غارقاً يفوز من يقفز منه باكراً. وقالت المصادر إنه لو كان لدى الأميركيين أو لدى نتنياهو أي تصور لكيفية إنقاذ المشهد من السواد والفشل كما يروّج الإعلام لكنا رأينا غانتس أول الذين يستجيبون لمنح هذا التصور فرصة.
الحكومة الإسرائيلية شهدت انفجاراً سياسياً مدوياً باستقالة وزراء الحرب ما سيترك تداعيات كبرى على مسار الحرب في غزة.
غانتس وإيزنكوت وصلا إلى قناعة بأن نتنياهو لن يستطيع أن ينتصر لا بالحرب ولا بالمفاوضات، ولو كان عندهما أدنى قناعة لما خرجا من المجلس، وكذلك أمريكا لا تملك أي تصور لليوم التالي لمبادرة بايدن، ونتنياهو لا يملك تصورا لما بعد "غزوة النصيرات".