- الدفاع المدني: احتمال توقف خدماتنا بشكل كامل في مدينة غزة بسبب نفاد الوقود
- جيش الاحتلال يلقي منشورات على مدينة بيت لاهيا ويطالب النازحين والأهالي بإخلائها
كنت قد سَمعتُ عن سجون كثيرة، وقرأت قصصاً وحكايات عديدة نُسجت داخل جدرانها، ومرَرتُ بتجارب شخصية مريرة، لكني لم أسمع شيئاً، أو أقرأ خبراً عن سجون رسمية خُصصت لسجن الأموات، سوى هنا، وهنا فقط في فلسطين، حيث تُسجن الجثامين، وحيث جعل الاحتلال الإسرائيلي من ثلاجات الموتى ومقابر الأرقام سجوناً للشهداء وعقاباً للأحياء من بعدهم!
شهداء لم يوجعهم الموت، بل أوجع الأحياء المنتظرين عودتهم، وأوجع "دولة" لا زالت تخافهم وهم أموات، وتخشى تحريضهم وهم في قبورهم تحت التراب، فتعاقبهم وتعاقب ذويهم بعد موتهم، فتحتجز جثامينهم وتسجنها فيما يعرف بمقابر الأرقام أو ثلاجات الموتى، في واحدة من أكبر وأبشع الجرائم الإنسانية والأخلاقية والدينية والقانونية التي تقترفها دولة الاحتلال الإسرائيلي علانية. وكثيراً ما استُخدمت الجثامين المحتجزة لغرض الضغط والابتزاز والمساومة، كجزء من سياسة تتبعها دولة الاحتلال منذ سنوات طويلة. وقد احتُجزت مئات الجثامين، بعضها أُفرج عنه في إطار صفقات تبادل مع فصائل عربية وفلسطينية، وبعضها الآخر عبر المفاوضات السياسية بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، أو نتيجة جهود قانونية قامت بها مؤسسات حقوقية، والتفاصيل هنا كثيرة، بينما لا تزال دولة الاحتلال الإسرائيلي تحتجز نحو 357 جثماناً لشهداء فلسطينيين وعرب، منهم 253 جثماناً محتجزين منذ عام 1967 فيما يعرف بمقابر الأرقام، و104 جثامين محتجزين في ثلاجات الموتى منذ عام 2015، منها 12 جثماناً لفلسطينيين من القدس و27 جثماناً لفلسطينيين من قطاع غزة و65 جثماناً لفلسطينيين من الضفة الغربية، بينهم 3 جثامين لإناث و9 لأطفال قتلهم الجيش الإسرائيلي، وفقاً للبيان الأول لـ "الحملة الشعبية لاسترداد جثامين الشهداء" التي انطلقت الشهر الماضي.
وتعود الجثامين المحتجزة، في مقابر الأرقام وثلاجات الموتى، إلى شهداء فلسطينيين وعرب، من الذكور والإناث، سقطوا في أزمنة متعددة وسنوات متباعدة وظروف مختلفة، فمنهم من استشهد في سبعينيات القرن الماضي، ومنهم من استشهد حديثاً. كما لا يقتصر احتجاز الجثامين على من شاركوا في المقاومة المسلحة ومنفذي العمليات الفدائية النوعية، كالشهيدة دلال المغربي المحتجز جثمانها منذ ما يزيد على أربعين عاماً، أو على الأشلاء المتبقية من جثامين منفذي العمليات الاستشهادية، بل هناك أيضاً جثامين محتجزة تعود إلى شهداء قتلتهم قوات الاحتلال عمداً، أو قامت بتصفيتهم بعد احتجازهم واعتقالهم، وهناك أيضاً تسعة جثامين محتجزة تعود إلى أسرى توفوا داخل السجون الإسرائيلية جراء التعذيب والإهمال الطبي والقتل البطيء، وترفض سلطات الاحتلال الإفراج عنهم، فهم لم يكتفوا باحتجازهم أحياء، بل يواصلون احتجاز جثامينهم بعد موتهم، وأقدمهم الأسير أنيس محمود دولة (36عاماً) من قلقيلية، الذي استشهد بين جدران سجن عسقلان في 31 آب/أغسطس 1980، بالإضافة الى ثمانية أسرى آخرين هم: عزيز موسى عويسات (53 عاماً) من القدس استشهد عام 2018، وفارس أحمد بارود (51 عاماً) من غزة، ونصار ماجد طقاطقة (31 عاماً) من بيت لحم، وبسام أمين السّايح (46 عاماً) من نابلس، وثلاثتهم استشهدوا عام 2019، وسعدي خليل الغرابلي (75 عاماً) من غزة، وكمال نجيب أبو وعر (46 عاماً) من جنين، والاثنان استشهدا عام 2020، والشهيد الأسير سامي عابد العمور (39 عاماً) من غزة استشهد عام 2021، وآخرهم داود محمد الزبيدي (40 عاماً) من جنين الذي استشهد بتاريخ 15 أيار/مايو الماضي.
بالإضافة إلى مئات آخرين ممن فُقد أثرهم ويُجهل مصيرهم، إذ سبق لكثير من العائلات الفلسطينية والعربية أن تقدمت بشكاوى عديدة بشأن اختفاء أبنائها، كأن الأرض انشقت وابتلعتهم، في حين لا تزال دولة الاحتلال تنكر وجودهم أحياء في سجونها السرية، ولا تعترف بهم أمواتاً في مقابر الأرقام، فيُطلق عليهم تسمية "المفقودين".
من هنا، يبدو واضحاً أن ثمة ترابطاً أساسياً ووثيقاً بين الاختفاء القسري لمئات المقاومين الفلسطينيين والعرب، وبين مقابر الأرقام والسجون السرية، وخصوصاً السجن الإسرائيلي رقم 1391. فربما هناك بين المفقودين من هم أحياء في السجون السرية، أو أنهم قُتلوا وتحولوا إلى جثث مأسورة في مقابر الأرقام.