من حق المواطن الفلسطيني، أولًا والعربي ثانًيا، وكل من يتطلع إلى إزالة أركان آخر احتلال عنصري منظم في العالم للأرض الفلسطينية، أن تصيبه الدهشة المطلقة، من سرعة رد الفعل الغربي على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
محور الغرب فتح كل مخازن أسلحته الاقتصادية – العسكرية لمنع روسيا من السير قدما في عمليتها، وفقا لأهدافها المعلنة وليست الباطنية منها، بعدما صمتوا طويلا على "الهمهمة السياسية الروسية"، ثم الصريحة بمنع الذهاب إلى "الخيار صفر"، لو أنها لم تتوقف عن مخططها نحو حصار روسيا ووضعها في "قفص الناتو" بلا حول ولا قوة.
بعد 15 يوم من انطلاقة العملية الروسية في أوكرانيا 24 فبراير 2022، ورغم ما يبدو من اصابتها بـ "لعثمة ميدانية"، لكنها من حيث الجوهري تمكنت من تحقيق كثيرا من أهدافها المعلنة، وأجبرت الرئيس اليهودي لنظام أوكرانيا، بعدما اكتشف أنه لم يكن سوى لعبة في يد المحور الغربي لطعن روسيا، ليعلن عن خيبة أمل من "فزعة عسكرية" كبرى، بعدما أدرك أن "الحدث" لن تهزمه كل ما كان من عقوبات وكلام وإجراءات تمس الاقتصاد الروسي، فبدأ يتحدث عن "استعداد الاستماع لمصير دونباس"، وأن الناتو وعضويته لم يعد طموحه، ومسألة الحياد "الإيجابي" ليست مستبعدة.
اعترافات زيلينسكي السريعة، تكشف بوضوح الوجه الآخر للمؤامرة التي تحاك أمريكيا، لإعادة رسم خريطة كونية تعتمد على حصار روسيا كمقدمة لحصار الصين، ونسج معادلة كونية في سياق قواعد "حرب باردة 2"، عمادها الاقتصاد والطاقة والتطور التكنولوجي، مع بقاء العسكرة غطاءً شاملًا، من خلال توسيع رقعة حلف الناتو الاستعماري، والذي كان يجب أن ينتهي بانتهاء حلف وارسو.
لعل من المبكر وضع ملامح كاملة للخريطة الجيوسياسية الجديدة، والتي ستكون منتجا إجباريا لتلك العملية العسكرية، ولن تعود القوات إلى مواقعها خاوية، أو مهزومة كما تحاول وسائل الإعلام الغربية، وخبرائها المدعين التخصص بكل اللغات، جوهرها بث روح الهزيمة والنهاية لروسيا – عصر بوتين، خاصة منهم الكتاب اليهود في أمريكا ودولة الكيان، محكومين بنزعتين ولاء الدين وولاء السياسة.
من المنطقي جدًا، أن تقف تلك المجموعة من "الكتاب والمحللين"، الذين تفتح لهم أبواب الإعلام العربي، وكأنهم "محايدين"، وليسوا جزءًا من آلة الحرب الغربية المضادة، وليروجوا كل ما هو ممكن لخدمة "الرؤية الغربية"، دون تدقيق أنهم جزء من تلك الآلة التي تخوض حربا باردة ساخنة لفرض "هيمنة مستحدثة"، قدمتها عناصر رؤية الإدارة الأمريكية الجديدة، مع استلام بايدن موقعه في البيت الأبيض.
ولكن، من المصائب السياسية الكبرى، أن تجد من يدعي حرصا على فلسطين القيام بحملة إعلامية جوهرها الكراهية لروسيا، من منطلقات مختلفة وكل بحساب، تعتبر أن فلسطين كما أوكرانيا محتلة، تستدعي من الغرب نصرة كما هي نصرتهم للحكم الأوكراني.
كيف يمكن لفلسطيني أو عربي أن يعتبر أوكرانيا، التي كانت أداة تستخدم من دولة الغرب لتصبح شوكة في ظهر روسيا وأمنها القومي، وتقوم بعمليات اضطهاد قومي لأقلية من أصل روسي، وقامت بكسر كل قواعد التعاون بحرق اتفاقات موقعة، منها ثنائية بين البلدين بطلب من محور الغرب، ثم التخلي كليا عن اتفاق مينسك 2014، وأيضا بتشجيع من محور الغرب.
كان منطقيًا أن يقال بوضوح أن نظام أوكرانيا هو "إسرائيل أوربيا"، التي تمثل رأس حربة لتنفيذ المشروع الاستعماري الغربي، وأنها دولة لا تحترم الاتفاقات الموقعة، ولا تدير بالا لكل ما يتم التوافق عليه، وأنها تضطهد ببعد عنصري أقلية روسية، كما تقوم دولة الكيان ضد الفلسطينيين، من اضطهاد عرقي وفصل عنصري.
كيف يمكن للبعض ألا يرى أن جوهر "الفزعة الغربية" حول أوكرانيا ليست نصرة لحق تقرير مصير، أو حقوق إنسان تم هدرها، بل هي جزء من حرب ذات نزعة استعمارية كاملة الأركان، وكل من هو معها ليس سوى أداة من أدواتها، ودوما جهنم مبلطة بأصحاب النوايا الطيبة.
المسألة ليست جهلا من دول الغرب الاستعماري لعدم رؤية ما تقوم به دولة الفصل العنصري والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، بل هم الغطاء الرسمي لتلك الدولة، وآخر تلك البدع ما قاله "اليهودي بلينكن" وزير خارجية رأس الحربة العدوانية عالميا، أمريكا، في خطابه أمام مجلس حقوق الإنسان أخيرا، كيف رفض أي مساس بدولة الأبرتهايد فيما لم يبق كلمة لطم سياسي لم يقلها عن النظام التابع في أوكرانيا، وكذا فعلت المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
الحديث عن "ازدواجية المعايير" في استخدام "القرارات الدولية" ليست حديثة ودوما هو "محور الغرب"، ومن لم يقف لمحاسبة دولة رفضت تنفيذ اتفاقات موقعة، وتخلت عن كل ما بها والذهاب لخيار العنصرية والتهويد والتطهير العرقي في سنوات سابقة، لن تكون غير ذلك...
"لا تطلبوا الدبس من ظهر النمس" لو كنتم "اصحاء العقل".
اعتبار أوكرانيا كما فلسطين ليست سوى سذاجة سياسية، او مناورة سياسية أو لعبة سياسية لتمرير مخطط ما في قادم الأيام... وهي جريمة سياسية من طراز فريد، تلحق الضرر الكبير بعدالة القضية الفلسطينية، وتبرر لدولة الكيان بعضا من سلوكها، دون النظر إلى "نداء الرئيس الأوكراني زيلينسكي ليهود العالم أن يتحدوا ضد الروس"... أوكرانيا هي "إسرائيل أوروبا" لا أكثر ولا أقل.
ملاحظة: سقطت حركة حماس في أول اختبار عملي لموقفها من "التطبيع" خلال زيارة رئيس دولة الأبرتهايد إلى تركيا.. أسفها وقلقها على الزيارة.. أكيد متذكرين قلق بان كي مون .. وعهيك تستحق أسم "حماسمون"!
تنويه خاص: أحدثت صحيفة "وول ستريت جورنال" ضجة عالمية بنشرها أن بن سلمان وبن زايد رفضا استقبال مكالمة من رأس الحية الأمريكاني بايدن...الصحيفة أمريكية مش عربية لهيك الحكي مزبوط.. والصراحة فعلة بتفش الغل.. حتى لو حكوا بعدين!