مع أن قضية الأسير – النموذج هشام أبو هواش تحتل مساحة كبيرة من الخبر الفلسطيني، وتغطيته، بين حق لقضية عدالة إنسانية وسياسية، وبين استغلال لغاية في نفس "محمود"، فتحت وسائل إعلام السلطة الفلسطينية الرسمية في "محميات الضفة الغربية"، موجاتها العامة ضد رفض حركة حماس اجراء الانتخابات البلدية في قطاع غزة وبالتالي منعها.
قيام إعلام السلطة وكذا فتح (م7) بذلك منطقي تماما، ليس بحثا عن تكريس البعد الديمقراطي في المشهد السياسي العام، فتلك مسألة ليست أصيلة ابدا، وليست جزءا من نظام السلطة في "المحميات"، بل عكسها السائد، نذكر أمثلة لا تغيب عن أطفال فلسطين، أبرزها تصفية من اعتبرهم الرئيس محمود عباس خصوما في المجلس الوطني الأخير بمقر المقاطعة 2018، وإهانة منظمة التحرير وتذويبها لتصبح دوائر بلا روح، الى جانب قطع آلاف رواتب وسحب جوازات سفر، لمن ليسوا موالين لمقر الرئيس وليس له فقط، مع حصار ممنهج لقطاع غزة عقابا لهم على تمسكهم بـ "الشرعية الوطنية".
وبالطبع، كان الهروب من الانتخابات العامة المتفق عليها في لقاءات القاهرة فبراير 2021، رغم رفضي المبدئي لها (ليس على الطريقة العباسية بل من حيث المبدأ، لأنها إطالة أمد الاحتلال ديمقراطيا)، مثالا على أن " الديمقراطية انتقائية" وفقا لحسابات المصلحة.
رفض حماس لإجراء الانتخابات البلدية في قطاع غزة، جرم سياسي مركب، يكشف جبنا شعبيا بعد أن حاولت تسويق نفسها أنها الأكثر شعبية، ولذا أي انتخابات في القطاع على ضوء تطورات ما بعد مايو ستهز كثيرا تلك المقولة غير الدقيقة، كما أن الرفض بذاته، إعلان صريح لتعزيز مظهر انفصالي رسمي عن الكيانية القائمة، ورسالة ذات مغزى للطرف الإسرائيلي أنها على استعداد للذهاب بعيدا في مخطط الانفصال مقابل خدمات تعزيزية لحكمها.
ولكن، ما يلفت الانتباه، ليس موقف طرفي النكبة الانفصالية (بين محميات الضفة ونتوء غزة)، بل "هبة الغضب" لبعض مكونات الحركة السياسية الفلسطينية، بعيدا عن "الوزن الشعبي" لها، ضد موقف حماس، بتجاهل كلي لموقف سلطة محميات الضفة الغربية، وسلوك رئيسها محمود عباس، خاصة في اللقاء الأخير مع وزير جيش العدو القومي غانتس.
لم تقرأ كلاما يشير الى أن خطوة عباس للذهاب الى منزل مجرم الحرب، وكأنه "صديق خاص"، تمثل إهانة وطنية عامة، ربما تفوق إهانة حماس للبعد الديمقراطي، من حيث تدميره لأسس الموقف الفلسطيني في مواجهة المشروع التهويدي من جهة، وتقزيم المشروع الوطني من سياسي الى خدماتي، وكأنه رئيس لأحد روابط المدن وليس رئيسا لشعب تعداده يفوق تعدد دولة الكيان ذاتها.
كان يمكن اعتبار "هبة الغضب" على المنع غير الديمقراطي لانتخابات البلدية في قطاع غزة، فعلًا تصويبيًا للتشويه السائد في "النظام الرسمي الفلسطيني" بشقيه (محميات ونتوء)، لو كان ربطا بمخاطر نتائج زيارة عباس الى منزل مجرم الحرب غانتس، والإشارة الى مصائبها السياسية.
لكن أن تقفز فجأة من صمت مطلق عن "فعلة عباس" لتعلي الصوت والصراخ حول "فعلة حماس"، فتلك هبة يمكن اعتبارها مجروحة الكرامة الوطنية، أو "حرص وطني أحول"، الرؤية والمرام.
الحرص الوطني لا يمكن أن يكون انتقائيا، تبرير فعل مصائبي ضد المشروع الوطني أو الصمت عليه، مقابل صراخ وضجيج ضد فعل مصائبي آخر...سلوك لن يترك أثرا على المشهد العام سوى "دغدغة" صاحب سلطة مقابل ترضية ما...فذلك سقوط في اختبار الديمقراطية ذاتها، وكشف عورة مروجيها.
ملاحظة: يبدو أن تجاهل الرئيس عباس عرض قضية الأسير أبو هواش على وزير جيش العدو القومي في منزله لم يكن "سهوا عمريا" ..فلمرة ثانية تجاهل كليًا الإشارة الى اسمه في كلمته لفتح رغم أنه "الخبر الأول" حتى في وسائل إعلامه.. التجاهل عار ونقطة!
تنويه خاص: مبروك "الجائزة الأمنية الكبرى" لمنصور عباس ما غيره، اللي حصل عليها وما قدر ينالها أي عربي منذ قيام دولة الكيان على أرض فلسطين حتى يومه..مكافأة "مدفوعة الثمن الوطني"يا نن عين بينيت.. وسجل يا تاريخ".