ما لفت نظري لكتابة هذا المقال حالة الاشتباك اللفظي بين نائب في البرلمان الاردني و عزام الاحمد اثناء اجتماع البرلمان العربي عندما ادعى عزام الاحمد بأنه كان "للسلطة الشرف في اسقاط صفقة القرن" كما ادعى لوحدنا وعندها النائب الاردني استشاط غضبا من كلمة عزام الاحمد وتم مقاطعته معربا بألفاظ قاسية عن اعتراضه على كلمة "وحدنا" فالاردن حمل وتحمل معارضته لصفقة القرن من عقوبات و مؤامرات خارجية وداخلية ، يذكر في هذا المجال بأن الملك عبد الله الثاني حضر مؤتمرا معارضا لصفقة القرن في تركيا وشهد الاردن عدة اضطرابات داخلية نتيجة الازمة الاقتصادية وكل يدعي انه له الشرف في اسقاط صفقة القرن وهنا ليس بالمجال ان ننتقد الاردن التي توفر الرعاية و الحماية للسلطة الفلسطينية وترعى مصالحافرادها وقياداتها في داخل الاردن من مشاريع و شركات وارصدة بالاضافة الى حصول اغلبيتهم على الجنسية الاردنية ، قد اتذكر ايضا كلمة عزام الاحمد في احدى الاجتماعات و المؤتمرات عندما قال قد اتيتكم من خط الدفاع الاول عن القدس وكأن عزام الاحمد وسلطته يقودون جبهة عريضة من الجيش و القوات المسلحة التي تحضر لتحرير القدس هذا الكذب الذي لا يمر على المجتمعين بل نظروا له في دهشة وسخرية ايضا .
ولكن هل اسقطت صفقة القرن او هل تم اسقاطها ؟ و هل كانت كلمة عباس "لا لا لا" هي التي اسقطت صفقة القرن و هل الاعتداء اللفظي على السفير الامريكي فريدمان عندما قال عباس مصطلح "الكلب ابن الكلب" قد اسقط صفقة القرن ، لا افهم حقيقة هذه السذاجة في الطرح و من يضحك على من ام حالة استهبال او حالة مخاطبة وطرح لشعب او جمهور غبي .
اعلن كوشنير عن صفقة القرن في مؤتمر البحرين في 25 يونيو عام 2019 بعد تأجيل و اكثر من تأجيل في الاعوام السابقة و هي خطة كما ادعت ادارة ترامب على انها خطة ذكية ستضع حلا لازمة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على الارض و هي تنص عن توفير صندوق مال لمساعدة الدولة الفلسطينية و مساعدة الدول المحيطة التي تشترك في حل القضية الفلسطينية والتي لديها لاجئين و نازحين فلسطينيين ، مؤتمر البحرين الذي ضم رجال اعمال وسياسيين عرب واجانب رصد مئات الملايين من الدولارات واتهم كوشنير في حينها بأن القيادة الفلسطينية فشلت في مساعدة شعبها و كان شعار المؤتمر الاقتصادي في البحرين "السلام من اجل الازدهار" و تشجيع المستثمرين الدوليين في قطاع غزة والضفة الغربية ، اما وزير خارجية البحرين خالد بن احمد ال خليفة قال ان البحرين مازالت داعمة للقضية الفلسطينية ليس له اي اهداف سوى تعزيز موارد الشعب الفلسطيني و مع استعادة حقوقه المشروعة في ارضه و دولته المستقله وعاصمتها القدس الشرقية و هي وسيلة من وسائل تمكين الشعب الفلسطيني .
حقيقة ليست مواقف السلطة الوحيدة التي عارضت ورفضت صفقة القرن بل كل فئات الشعب الفلسطيني وفصائله ولكنني ارى بشكل شخصي ان فكرة السلام الاقتصادي الامني هي فكرة مطروحة منذ استلام رئيس الوزراء السابق بلير ملف الصراع مع اسرائيل في غزة والضفة فهو اول من طرح الحل الاقتصادي الامني وربما نرجع قليلا في ظل تصورات القيادات التاريخية لاسرائيل واهمهم ايجال الون في طرح خطته لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وربما نظرية دايتون وبرنامجه ونظامه الذي وضعه للاجهزة الامنية يصب في هذا المجال ايضا ولكن هذا الحل الاقتصادي المرتبط ايضا بالاقتصاد الاسرائيلي والذي نصت عليه اتفاقية باريس .
لكن هل فعلا مرة اخرى تم اسقاط صفقة القرن كما يدعي المهللين و المطبلين للسلطة و النخب الضالة في الشعب الفلسطيني ام ان صفقة القرن هي حقيقة واقع على الارض وهي تحاكي الواقع المطبق بين السلطة و اسرائيل او المفاوضات التي تمت بين السلطة واولمرت او فيه وايريفر مع الرئيس الفلسطيني السابق ونقاط الاتفاق التي تم التوافق عليها بين اولمرت والوفد المفاوض الفلسطيني و التي اوشكت على ان توج بالتوقيع لولا التهم التي وجهت لاولمرت و التي ادت لسجنه "كما ادعى الرئيس عباس" .
صفقة القرن التي تنص على تبادلية الاراضي وبقاء 140 مستوطنة مصرح بها من اسرائيل والاحتفاظ بالمنطقة C هي ثوابت تم التفاوض عليها وتدعيس اسرائيل ملكيتها لتلك الاراضي ، هذا اذا اضفنا الرواية التي تدعي فيها اسرائيل تاريخيى يهودا والسامرة.
كانت هناك بعض المواقف والقرارات الجريئة التي كان يعمل بها تحت الطاولة وصرح بها ترامب الواضح الصريح بنقل السفارة الامريكية الى القدس باعتبارها عاصمة اسرائيل الموحدة وهنا السؤال ماذا فعلت السلطة من اجراءات لوقف هذا القرار غير كلمة لا هل دعمت مقاومة شعبية ؟ هل نفذت قرارات المركزي ؟ هل اعادت حساباتها في صياغة جديدة للنظام السياسي الفلسطيني ؟ و هل وحدت القوى الوطنية او جبهة وطنية موحدة او وحدت النظام السياسي في غزة والضفة او هل تراجعت عن مواقفها السياسية الداخلية التنظيمية في حركة فتح واعادت وحدتها على اعتبار ان "اذا توحدت فتح وجددت برنامجها واحدثت مراجعات حقيقية في تركيبتها التنظيمية والقيادية فان الحياة الوطنية كلها ستتغير بالشكل الايجابي لصالح القضية الفلسطينية و الوحدة الفلسطينية " .. بالقطع لم يحدث ذلك ، اذا كيف يدعي عزام الاحمد انه اسقط صفقة القرن و هي معمول بها على الارض و لم تقطع الادارة الامريكية الموازنة المالية واللوجستية للاجهزة الامنية التي تأخذ من موازنة السلطة اكثر من 60% .
و ما يجب ذكره في هذا المجال ان صفقة القرن قديمة جديدة وتجدد بناءا على تصور المرحلة فإعادة تعمير غزة الان تدخل ايضا في نطاق التوافق الدولي الاقليمي من خلال بنود صفقة القرن و الشروط التي تضعها السلطة التي تعيد الكره من جديد للهيمنة الكاملة على القرار في قطاع غزة لاغية اي انجاز للمقاومة الفلسطينية او تمثيل مستغلة الظروف والضغط الامريكي على دول الاقليم والدول الاخرى ، فمازالت ادارة بايدن تتمسك بصفقة القرن وان لم تعلن صراحة عن ذلك و كما صرح الرئيس الامريكي ووزير خارجيته بأن اتفاقات ابراهام للتطبيع يجب ان تضم دول عربية اخرى و مازالت الادارة الامريكية الجديدة تؤمن بتبادلية الاراضي التي تحفظ امن المستوطنات والتوسع في اراضي الدولة الفلسطينية المقترحة بعملية نسبية في اراضي محيطة بفلسطين بغرض المشاريع والانشاءات و المطار وليس التوسع في الاسكان و مازالت الادارة الامريكية الجديدة تحتفظ بسفارتها في القدس و مازالت تحرض على تكوين او انشاء صندوق للدعم الاقتصادي لما يسمى الدولة الفلسطينية المقترحة منها طبعا صندوق الاعمار و مازالت الادارة الامريكية تقترح على ان الدولة هي مجرد دولة لا تمتلك السيادة او اي نوع من السيادة لعدة سنوات قادمة و بلا جيش ولا سيطرة على الفضاء او الارض الا من خلال برنامج امني متفق عليه .
اذا هل فعلا اسقطت صفقة القرن ام مازال معمولا بها الى الان فصفقة القرن ليست وليدة افكار كوشنير او ترامب بل هي نتاج افكار مراكز دراسات امريكية للدولة العميقة وتعكس وجهة نظرها وبرنامجها لحل الصراع بصرف النظر عن من يقود اسرائيل ناتنياهو او بينيت مع حسابات بعد فشل الانتخابات الفلسطينية قد تسعى امريكا ودول اقليمية لتغيير ماهية القيادة الفلسطينية وتحافظ على جوهرها ودورها الوظيفي . َ