أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" ورقة سياسات جديدة بعنوان "تحليل واقع الأمن الغذائي في قطاع غزة بعد العدوان"، أعدها الباحث محمد اسليم، وقدمت من خلالها قراءة معمقة لواقع الأمن الغذائي في القطاع خلال الفترة الممتدة من عام 2023 وحتى عام 2025، في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر وما ترتب عليه من انهيار شبه كامل لمنظومة الغذاء وتفاقم مأساوي للوضع الإنساني.
أكدت الورقة أن قطاع غزة يواجه اليوم واحدة من أخطر الأزمات الغذائية في العالم، بعد أن تسبب العدوان وما صاحبه من حصار وإغلاق ومنع دخول المواد الأساسية في تدمير البنية التحتية الزراعية وسبل العيش، وخلق ظروف تجويع قسري تهدد حياة أكثر من مليوني مدني، أغلبهم من النساء والأطفال. وأوضحت الورقة أن الأزمة لم تعد ناتجة عن الأعمال الحربية فحسب، بل أصبحت تعكس نمطا ممنهجا يستخدم التجويع كأداة حرب من خلال استهداف الأراضي الزراعية ونقاط الإنتاج والمحاصيل وسلاسل التوريد والتخزين.
وأشارت الورقة إلى أن الوضع قبل العدوان كان هشاً بالفعل، حيث بلغت معدلات انعدام الأمن الغذائي نحو تسعة وستين في المئة، بينما كانت معدلات الفقر والبطالة من بين الأعلى عالمياً، ما جعل المجتمع عرضة للانهيار عند أي اضطراب. ومع اندلاع العدوان، تحولت هذه الهشاشة البنيوية إلى انهيار كامل لمنظومة الأمن الغذائي، بعد تجريف آلاف الدونمات الزراعية وتدمير منشآت التخزين وشبكات الري وفقدان الثروة الحيوانية وتوقف الصيد البحري وتعطل المخابز نتيجة انعدام الوقود.
وبيّنت الورقة أن المؤشرات الميدانية تعكس حجم الكارثة، حيث ارتفع انعدام الأمن الغذائي إلى أكثر من تسعين في المئة، وتجاوزت نسبة الأسر المعتمدة على المساعدات خمسة وتسعين في المئة، بينما ارتفعت أسعار السلع الغذائية الأساسية إلى أكثر من أربعة أضعاف. كما سجلت معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال مستويات خطيرة تهدد الصحة العامة وتؤدي إلى أمراض مزمنة وتأثيرات تطورية طويلة الأمد.
وأبرزت الورقة الإطار القانوني للحق في الغذاء، مؤكدة أن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، ملزمة بموجب القانون الدولي الإنساني بضمان توفير الغذاء للسكان المدنيين، وأن تجويع المدنيين أو حرمانهم من المستلزمات الأساسية للحياة يشكل جريمة حرب وفق نظام روما الأساسي والبروتوكولات الدولية. كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية مباشرة في ضمان تدفق المساعدات وحماية المدنيين ومنع استمرار الانتهاكات.
وتطرقت الورقة إلى أبرز التحديات الراهنة التي تواجه الأمن الغذائي في القطاع، وفي مقدمتها استمرار الحصار ومنع إدخال المواد الأساسية، والدمار الواسع للبنية الزراعية، وتلوث التربة بالمخلفات الحربية، وشح المياه والطاقة، وتعطل سلاسل الإنتاج والتخزين، وانهيار الأسواق المحلية، وتراجع التمويل الدولي، وغياب خطة وطنية شاملة لإعادة الإعمار الغذائي.
وحددت الورقة أولويات الاستجابة العاجلة خلال الأشهر الثلاثة الأولى، والتي تشمل فتح المعابر بشكل آمن لإدخال الغذاء والدواء والوقود، وتوفير طاقات تشغيل طارئة للمخابز ومحطات المياه، وتقديم حزم غذائية متنوعة للأسر الأكثر هشاشة، وتفعيل وحدات تغذية طارئة للأطفال والحوامل، وضمان الحماية للعاملين الإنسانيين.
كما طرحت الورقة إجراءات متوسطة وطويلة الأمد تمتد من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، تهدف إلى بناء منظومة غذاء مستدامة من خلال إعادة تأهيل الأراضي الزراعية، وتعويض المزارعين والصيادين، وإطلاق خطة وطنية للسيادة الغذائية، وتشجيع سلاسل التوريد المحلية، والاستثمار في الطاقة المتجددة للمرافق الغذائية وبرامج التشغيل التي تعزز القدرة الشرائية للأسر.
واختتمت الهيئة الدولية حشد ورقتها بالتأكيد على أن معالجة هذه الأزمة تتطلب إرادة سياسية دولية تضمن رفع القيود على إدخال الغذاء والوقود، ومساءلة الجهات المسؤولة عن تدمير مصادر الغذاء، والعمل على إعادة بناء منظومة الأمن الغذائي بما يكفل الكرامة الإنسانية ويحقق حق الفلسطينيين في الغذاء الكافي والآمن. وشددت الهيئة على أن الوضع الإنساني في غزة لم يعد قابلاً للتأجيل، وأن استمرار الحصار والعدوان يهدد بمجاعة واسعة النطاق تستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً وملزماً.
للاطلاع على الورقة بالكامل اضغط هنا